محققون يكشفون كيف دبر "داعش" لهجمات نوفمبر 2015 بباريس
الأحد 05/سبتمبر/2021 - 07:09 م
أودت هجمات 13 نوفمبر 2015 في باريس بحياة 90 شخصاً في مسرح باتاكلان الواقع بالدائر 11 بالعاصمة الفرنسية، و39 شخصاً في المقاهي المحيطة، وخلف أكثر من 350 جريحاً، وتزامن مع هجمات في مواقع أخرى بباريس، وبين مدبر أصدر أوامره من مناطق خضعت لسيطرة تنظيم "داعش" على الحدود بين سوريا والعراق، ووحدات مدربة في معسكرات التنظيم، وخلية نائمة في بروكسل، تم التخطيط والتحضير لالعتداءات بدقة شديدة.
أتاحت معلومات جمعتها وكالة الشرطة الأوروبية "يوروبول" ووحدة التعاون القضائي الأوروبية "يوروجاست" والشرطة الفرنسية وعدد من أجهزة الاستخبارات الفرنسية، ونشرتها وكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس" اليوم الأحد، تحديد الكيفية التي نفذت بها العملية وتسلسل وقائعها.
عثر ليلة الهجمات على قطع ممزقة من جوازات سفر سورية قرب جثتي اثنين من الانتحاريين الثلاثة الذين فجروا أنفسهم قرب ملعب إستاد فرنسا، وتبين أن الرجلين العراقيي الجنسية دخلا إلى أوروبا عبر جزيرة ليروس اليونانية في 3 أكتوبر 2015 وكانا ضمن مجموعة مكونة من 198 مهاجر غير قانوني.
ورصدت الشرطة لاحقا ضمن المجموعة ذاتها من المهاجرين الجزائري عادل حدادي والباكستاني محمد عثمان اللذين اعتقلا لفترة وجيزة عند وصولهما إلى اليونان، وألقي القبض عليهما في مأوى للمهاجرين في النمسا بموجب مذكرة توقيف أوروبية صدرت في 10 ديسمبر 2015، وأقرا لدى استجوابهما بأن تنظيم "داعش" أرسلهما في مهمة انتحارية إلى فرنسا.
واكتشف المحققون أن معظم عناصر الوحدة الإرهابية وصلوا إلى أوروبا قادمين من سوريا على أنهم لاجئون، وسلك معظمهم طريقا مماثلا، فوصلوا إلى اليونان حاملين جوازات سفر سورية مزورة، وعبروا في سيارات مستأجرة المجر والنمسا وألمانيا أو مروا عن طريق البلقان قبل الانتقال إلى بلجيكا، وكان هذا بترتيب من وحدة العمليات الخارجية في التنظيم.
أنشئت هذه الوحدة في يونيو 2014 تحت إشراف المتحدث سابقا باسم "داعش" أبو محمد العدناني وبقيادة البلجيكي المغربي أسامة عطار المعروف بلقب أبو أحمد العراقي.
ودعا أبو محمد العدناني في سبتمبر 2014 المسلمين للتصدي لمن اسماهم بـ"الصليبيين" وحلفائهم ردا على التحالف العسكري الدولي وضرباته الجوية على مناطق سيطرة داعش.
وتركزت النقمة بشكل خاص على فرنسا، فحض العدناني مقاتليه قائلا "اقتلوا الكفار في امريكا وأوروبا، وخصوصا في فرنسا...اقتلوهم بأي طريقة...حطموا رؤوسهم بالحجارة أو اطعنوهم بالسكين، أو ادهسوهم بسياراتكم، أو ألقوهم من مكان عال".
وقال المحققون الفرنسيون أن ذلك الخطاب أسس لاستراتيجية جديدة تهدف إلى نقل المعركة مع أهداف التنظيم إلى أرضهم وتحديدا في فرنسا، مع هدف معلن هو زرع الرعب فيها.
ولبى هذا النداء عدد من الافراد تحركوا بمفردهم أو في مجموعات صغيرة، وقد اعتنقوا الإرهاب بعدما جذبتهم دعاية التنظيم، فنفذوا اعتداءات دامية في فرنسا وتبنى التنظيم معظمها لاحقا.
ويعتبر المحققون الفرنسيون أسامة عطار مدبر اعتداءات باريس، ولم يتم القبض عليه ويعتقد أنه قتل في ضربة جوية للتحالف الدولي في منطقة تمركز "داعش" على الحدود بين العراق وسوريا، وسيحاكم غيابيا أمام محكمة الجنايات الخاصة في باريس.
وكان العديد من أعضاء خلية العمليات الخارجية في التنظيم فرنسيين أو بلجيكيين وهو ما اعتبره المحققون "أمرا منطقيا إذ جعل قادة التنظيم علنا من فرنسا هدفهم الأول".
كان البلجيكي المغربي أسامة عطار من أوائل الذين انضموا إلى صفوف الجهاديين في سوريا منذ 2003 ثم اعتبارا من 2004 في العراق حيث قاتل القوات الأميركية في الفلوجة، قبل أن يقبض عليه الأميركيون في فبراير 2005.
وحكمت عليه محكمة عراقية بالسجن عشرين عاما لدخوله البلد بصورة غير قانونية، فتعرف في السجن على أبو محمد العدناني الذي أصبح لاحقا القيادي الثاني في التنظيم وقتل في ضربة أميركية في 30 أغسطس 2016.
أطلق سراح عطار في سبتمبر 2012 لأسباب صحية فعاد إلى بلجيكا قبل أن يغادر مجددا إلى سوريا في كانون ديسمبر 2013، ويعتقد أنه لعب خلال مكوثه في بلجيكا "دورا أساسيا" في دفع قريبيه إبراهيم وخالد البكراوي الى اعتناق الإرهاب، وقد اعتقلا لاحقا لارتكابهما عمليات سطو، وبعد خروج خالد البكراوي من السجن في يناير 2014، ذهب في نوفمبر إلى سوريا ثم عاد في ديسمبر إلى بلجيكا حيث انشأ مخابئ وأقام شبكة لوجستية في حي مولنبيك في بروكسل.
ومر العديد من الجهاديين الضالعين في اعتداءات باريس عبر هذه الشبكة قبل تنفيذ عملياتهم، ومن بينهم عبد الحميد أباعود المعروف بلقب "أبو عمر البلجيكي" الذي يشتبه بأنه دبر العديد من الاعتداءات في أوروبا بينها الهجوم الفاشل على قطار تاليس بين امستردام وباريس في 21 اغسطس 2015، ويعتقد أنه كان قائد الوحدات التي نفذت الاعتداءات على ملعب إستاد فرنسا قرب باريس وشرفات مقاه ومسرح باتاكلان في العاصمة الفرنسية.
ووصل المقاتلون القادمون من سوريا إلى بلجيكا اعتبارا من أواخر أغسطس 2015 حاملين بطاقات هوية بلجيكية مزورة، فأقاموا في المخابئ التي استأجرها الشقيقان البكراوي.
ويعتقد المحققون أنهم اغتنموا الفترة الممتدة بين أغسطس ونوفمبر "لاقتناء المواد الضرورية لصنع بيروكسيد الأسيتون (مادة متفجرة تصنع من منتجات تباع في السوق) والحصول على ما يبدو على البنادق الهجومية التي استخدمت في 13 نوفمبر 2015".
وخضع عناصر الوحدات التي نفذت اعتداءات باريس لتدريب عسكري وفكري مكثف، وتلقى الفرنسي بلال حدفي أحد انتحاريي سان دوني تدريبا خاصا على صنع الأحزمة الناسفة.
وبعد انتقالهم إلى أوروبا، بقي الارهابيون على تواصل مع "أميرهم" من خلال تطبيقات الرسائل المشفرة، وكان العراقي المعروف باسم أحمد المحمد والذي فجر نفسه أمام ملعب إستاد فرنسا، يحمل رقم الهاتف التركي لأسامة عطار.