في ذكرى رحيل أديب البُسطاء الـ 9.. أنيس منصور "عدو النوم".. كيف دخل صالون العقاد؟.. "كاتم أسرار" السادات.. تعدد علاقاته الغرامية سر زواجه.. وكواليس اللقاء مع الكاتب الصهيوني الإسرائيلي
الأربعاء 21/أكتوبر/2020 - 12:53 م
تحل اليوم الموافق 21 أكتوبر، ذكرى وفاة الكاتب الصحفي والفيلسوف والأديب المصري وأديب البُسطاء أنيس منصور، الذي شكلت كتبه مجموعها مكتبة متكاملة من المعارف والعلوم والفنون والآداب والسياسة والصحافة والفلسفة والاجتماع والتاريخ والسياسة والمرأة، ومن الصعب حصر عطاء ومسيرة وآثار ومواقف الكاتب الكبير وأيقونة القراءة أنيس منصور.
نشأته
حفظ أنيس منصور القرآن في كُتاب القرية ، وكانت تلك بدايته الأدبية، وعن أبيه تعلم ألا يقرأ إلا ما يمتعه، عاش أنيس حكايات في ذلك الكُتاب حكى عن بعضها في كتابه "عاشوا في حياتي"، حظي أنيس بمسيرة دراسية مميزة، حيث أنهى دراسته الثانوية بتفوق فى مدينة المنصورة، وحصل على المركز الأول في الثانوية على الجمهورية، ثم إلتحق بكلية الأداب في جامعة القاهرة، ودخل قسم الفلسفة، وحصل على ليسانس آداب عام 1947، عمل أستاذاً بقسم الفلسفة في جامعة عين شمس، كان منصور يجيد عدة لغات: العربية، والإنجليزية، والألمانية، والإيطالية، واللاتينية، والفرنسية، و الروسيه، وتعلم العبريه على كبر.
صالون العقاد
شغل أنيس منصور في بكيرة أيامه هو شراء الكتب ودراسة الفلسفة، وظل أنيس منصور يعمل أستاذاً بقسم الفلسفة حتى وصل نقطة التحول في حياته وهي حضوره لصالون عباس محمود العقاد، وانفتاح على دنيا لم يعرف لها وجودا من قبل، وسجل كل ذلك في كتابه "فى صالون العقاد كانت لنا أيام"، وسجل فيه مشاكل جيله، وخوفه وآرائه في مواجهة جيل العمالقه من أمثال طه حسين، وكانت تلك نقطة تحول في حياته حيث تفرغ بعدها للكتابة والعمل الصحفى في مؤسسة أخبار اليوم، وترأس العديد من مناصب التحرير لعدد من الصحف والمجلات.
مسيرته المهنية
عمل بمؤسسة أخبار اليوم حتي أنتقل بعدها للخطوة التالية في مسيرته المهنية وهي انتقاله الى الأهرام عام 1950حتى عام 1952، انتقل وتدرج في عالم الصحافة ولم يؤثرذلك في عشقه للادب والفلسفة، وأصبح أصغر رئيس تحرير حينها، حيث تولّى رئاسة تحرير مطبوعة وهو لم يكمل الثلاثين من عمره، ورئيسًا لمجلس إدارة دار المعارف حتى سنة 1984، ومن ثم أصدر مجلة الكواكب، وكلفه الرئيس الراحل محمد أنور السادات بتأسيس مجلة أكتوبر في 31 أكتوبر 1976، ليكون بذلك رئيسًا لتحريرها، أصبح من أقرب الصحفيين المقربين من الرئيس السادات، حيث كان يمثل أنيس منصور في ذلك الوقت الصندوق الأسود للرئيس الراحل السادات، مما جعل البعض يخشى عليه من الاقتراب الزائد من السلطة الحاكمة، و يتبادر إلى أذهانهم العلاقة الكبيرة بين الرئيس عبد الناصر والكاتب هيكل بكل ما لها وما عليها، حيث كان حينها الاقتراب الزائد من السلطة هو أمر محفوف بالمخاطر، وترأّس تحرير العديد من المجلات منها: الجيل، هي، آخر ساعة، أكتوبر، العروة الوثقى، مايو، كاريكاتير، الكاتب، ونُقلت مقالاته التي كان يكتبها قديماً إلى صحيفة آخر لحظة، ومن مقالاته الأكثر قراءة مقاله اليومي في جريدة الأهرام والذي يحمل اسم "مواقف".
تعدد العلاقات الغرامية شرطًا للزواج
تزوج أنيس منصور من رجاء منصور، والتي كان أخواها زكريا توفيق، وتوفيق عبد الفتاح من الضباط الأحرار، واعترض الرئيس الراحل جمال عبد الناصر على اقتران أنيس بزوجته ، باعتبار أنه لا يجوز لصحفي أن يناسب الضباط الأحرار، ويأتى بطل تلك الزيجة التقارير الأمنية لأنيس منصور، حيث وعلى عكس كل العائلات المصرية ، كان شرط قبول أنيس منصور أن يكون متعدد العلاقات الغرامية حتى توافق عائلة رجاء عليه، ويقول أنيس منصور عن ذلك " فقد اعترض أخوال زوجتي وكانا يشغلان منصبي وزير التموين والشئون الاجتماعية، ولكن أحدهما قال لزوجتي : لو ثبت أن أنيس يعرف ألف واحدة سأزوجه لك ، ولو كان يعرف واحدة فقط فلن أزوجك له ، لأنه لن يتركها ، وحينما أطلع على على التقارير الأمنية وافقا على زواجي "، كانت التقراير الأمنية لأنيس منصور سبباً مرجحاً لزوجه، حيث يقول: "عندما طلبت من الرئيس السادات أن يطلعنى على التقارير المكتوبة عني في أجهزة الأمن رأيت بعضها ، فوجدت ملاحظتين : الأولى أن عددا كبيرا من النكت منسوبا إلى كأني لا أفعل شيئا في هذه الدنيا إلا النكت، من المؤكد أن بعضها من تأليفي، ولكن ليست كل هذه النكت، الملاحظة الثانية عن قصصي الغرامية الكثيرة ، كأنى متفرغ للغراميات مثل واحد يجلس في الشارع على حارة زنقة الستات لا شيء يشغله إلا الحب ، وقد أفادني هذا التقرير الأمني في زواجي ! ".
وكان الكاتب الصحفي الراحل محمد حسنين هيكل هو الذى خطب لأنيس زوجته رجاء حجاج ، وكان شاهدا على عقد قرانه ، وقال عنها "لولاها ماكانش هيبقي فيه حد اسمه أنيس منصور".
وأشتهرت قصة حبهما، وقالت رجاء منصور عن زوجها: " أنيس كان يعشق 3 أشياء.. أنا والسفر والكتابة "، وأهداها أنيس كتاب "في صالون العقاد كانت لنا أيام"، وهو الكتاب الوحيد الذى كتب فيه إهداء، حيث جاء فيه: "إلى التى لولا تشجيعها ما كان السطر الأول فى هذا الكتاب، ولولا تقديرها ما اكتملت هذه الصفحات، امتنانًا عميقًا وحبًا أعمق: إلى زوجتي".
كتاباته
تنوعت كتابات أنيس منصور بين الرواية والقصة والمسرحية والمقال، وتناولت كتاباته مجالات الفلسفة والتاريخ والسياسة والعلوم والفنون، وكان له نظرة خاصة تميز بها تجاه المرأة، وأشتهرت كتاباته عن ما وراء الطبيعة ،وكانت الأكثر إنتشاراً بين المثقفين في ذلك الوقت، تميَز أسلوب أنيس منصور في الكتابة بلبساطة، ذلك إلى جانب متانة لغته ورصانة تعابيره، التي استطاع من خلالها أن ينقلَ أفكاره العميقة والمعقدة إلى البسطاء، فكان واحدًا من الذين هدموا الحواجز بين القارئ والكاتب، حتى أطلق عليه أديب البُسطاء، ومن أهم مؤلفاته:
كتاب "الذين هبطوا من السماء" حيث يقوم أنيس منصور في هذا الكتاب برحلة جغرافية فلكية تاريخية، ويثير فيها قضايا لأول مرة في الأدب العربي، ويندرج هذا الكتاب تحت مسمى ما وراء الطبيعة، حيث يوضح فيه منصور وجهة نظرة بأن الإنسان ليس الكائن العاقل الوحيد في الكون بل هناك كائنات أعقل وأذكى منه على كواكب أخرى، ويدعم الكتاب الكتب السماوية في جميع القضايا الروحية التي يتناولها.
كتاب "حول العالم في 200 يوم"، يتحدث فيه منصور عن رحلته حول العالم، والتي دامت لـ 200 يوماً، وكانت تلك الرحلة حديث الناس حينها وتناقلتها وكالات الأنباء، ويقول الأديب طه حسين في مقدمة الطبعة الثالثة للكتاب: "هذا كتاب ممتع حقًا، تقرؤه فلا تنقص متعتك، بل تزيد كلما تقدمت فى قراءته".
كتاب "الكبار يضحكون أيضاً"، يتحدث أديب البسطاء في هذا الكتاب عن المواقف المضحكة، وعن روح الفكاهة التي يمكن أن توجد في حياة الكبار من مشاهير وزعماء وقادة الدولة وغيرهم من الشخصيات، تلك الشخصيات التي لا يعرف الناس عن حياتها الخاصة شيئًا مثل: جمال عبد الناصر، وهتلر.
كتاب "لعنة الفراعنة"، يتناول منصور في هذا الكتاب حقيقة التعويذة وماهيتها، وهل يمكن أن يتمّ تسليطها على الناس أم أن هذا مجرد خداع ووهم، ويشيرُ فيه إلى الفراعنة والعلوم والقدرات التي وصلوا إليها.
كتاب "هناك أمل"، يتناول منصور في هذا الكتاب مجموعة من المقالات المختلفة والجذابة، والتي يدفع بها الناس إلى الأمام، ويبثَّ فيهم الأمل والبعد عن اليأس، لأنه أينما وجد الإنسان وجد الأمل.
وترجم منصور العديد من الكتب، حيث أثرى المكتبة العربية بكثير من كتب الثقافة الغربية، فترجم أكثر من 9 مسرحيات، و5 روايات، و12 كتاب لأشهر الفلاسفة في أوربا، وألف أكثر من 13 مسرحية إلى مسيرة الأدب العربي في العصر الحديث، وعرض الكثير منها على المسرح القومي.
وتحولت العديد من أعماله الدرامية إلى مسلسلات تلفزيونية، ومنها: "إتنين.. إتنين"، "من الذي لا يحب فاطمة"، "حقنة بنج"، "هي وعشاقها"، "غاضبون وغاضبات"، "عريس فاطمة"، "العبقري".
زيارة الكاتب الصهيوني الإسرائيلي عاموس إيلون
ذهب الكاتب الصهيوني الإسرائيلي عاموس إيلون في أوائل حقبة الثمانينيات من القرن الماضي إلى أنيس منصور لكي يجري معه حديث صحفي خاص، بعد أن سمع عن ثقافة منصور الواسعة وإيجادته لعدة لغات، وراودته بعض الشكوك حول ذلك، ودار بينهم حوار شيق حيث كان عاموس يسأل أنيس منصور سؤالاً بالإنجليزية فيجيبه بالإنجليزية، ثم يوجه له السؤال التالي بالفرنسية فيجيبه بطلاقة أيضاً وإتقان بالفرنسية، ثم يوجه له سؤالا آخر نصفه الأول بالإنجليزيه والنصف الثاني من السؤال باللغة الألمانية، فيجيبه أنيس منصور بلغة ألمانية سليمة وبنطق جيد، مما أدهش الكاتب الصهيوني كثيراً خاصةً عندما أجابه منصور على أحد الأسئلة باللغة العبرية، والتي كان قد قطع شوطاً كبيراً في تعلمها في سن كبير، ليعود الكاتب الصهيوني وهو يقين أن ما سمعه عن أنيس منصور أقل من الحقيقة بكثير، ونشر عاموس حواره مع منصور في كتاب بعنوان "رحلة إلى مصر".
أديب البُسطاء في خصام مع النوم
دفعته كتابات الصحفية، بالإضافة إلى أعماله الأدبية، إلى التخلي عن بعض الأشياء فى محاولة منه لكسب مزيد من الوقت، ليأتي النوم عائق امامة، حيث قرر أن يخصص أكبر قدر من الوقت للعمل، لذا خاصم النوم.
وروى أنيس منصور في بعض المناسبات مشكلته مع النوم، ففى أحد الحوارات الصحفية، تحدث فيه عن يومياته، وبدأ بمسألة النوم، وحكى منصور خلاله أنه يكون محظوظاً عندما ينام فى الثانية عشرة من منتصف الليل، ويستيقظ فى الرابعة صباحًا لكنه عادة ما يستيقظ فى الثالثة، ليصل مجموع الساعات التى ينامها من 3 إلى 4 ساعات يوميًا، بل وأحيانًا يبقى عدة أيام بلا نوم.
وذكر أنيس منصور في مقال له فى صحيفة الشرق الأوسط بتاريخ مايو 2011 يحمل عنوان "آخر كلام: حاول أن تنام هادئا!" ، قال: "العصر الذى نعيش فيه من المؤكد أنه عصر القلق والأرق أو النوم بعنف واليقظة بعنف أيضًا.. أى استخدام المنومات ثم استخدام المنبهات أيضًا، وإننا مدمنون للاثنين أيضًا".
صار النوم مشكلة أنيس منصور في فترة من الفترات، حتى أنه كي ينام أخرج القلم والورقة من غرفته، وقدم نصيحة لمن يعانون من تلك المشكلة، قائلاً: "حاول أن تنام هادئا.. فالأرق قاتل.. والنوم ينعش ويجدد حياتك، وعدد الساعات لا يهم ولكن عمق النوم هو الذى يهم كثيرًا جدًا!".
جوائز حصدها أديب البُسطاء
حصل منصور على الدكتوراه الفخرية من جامعة المنصورة، وحصد العديد من الجوائز ومنها جائزة الفارس الذهبي من التلفزيون المصري أربع سنوات متتالية، وجائزة كاتب الأدب العلمي الأول من أكاديمية البحث العلمي، وجوائز آخرى مثل الجائزة التشجيعية من المجلس رعاية الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية عام 1963، وأشهرهم جائزة جائزة الإبداع الفكري لدول العالم الثالث، عام 1981، وجائزة مبارك في الآداب من المجلس الأعلى للثقافة، عام 2001، كما حصل على لقب كاتب المقال اليومي الأول في أربعين عاماً ماضية.
إقتباسات لأنيس منصور
يقول أنيس منصور: " مصر بالنسبة لى كقلمى الذى أكتب به،.. يلازمنى بإستمرار، فهى معى في كل وقت، .. وإلى أى بلد أسافر إليه، .. هى معى حين أقرأ، وحين أكتب، .. لا تفارقنى أبدا"، "من عاش بلا مبدأ مات بلا شرف"، "الأدب الكلاسيكي هو ما يحب الناس أن يقراوه ولكنهم لا يفعلون"، "أصعب معركة في حياتك عندما يدفعك الناس إلى أن تكون شخصا أخر"، "عقوبة الكذاب ليست ألا يصدقه الناس بل ألا يصدق هو الناس"، "أولادك الصغار يسألونك من أين جاءوا وأولادك الكبار لا يقولون لك أين يذهبون"، "ليس صحيحا أن الأم مقدسة عند كل أولادها كل الوقت".
المرض يكتب النهاية
توفي أنيس منصور في صباح يوم الجمعة الموافق 21 أكتوبر 2011، عن عمر ناهز 87 عاماً بمستشفى الصفا، وذلك بعد أن ساءت حالته نتيجة لإصابته بالتهاب رئوى حاد وآلام فى الظهر، نُقل على إثرها إلى غرفة العناية المركزة، نظراً لتدهور حالته الصحية، وأوصى منصور قبل وفاته بدفنه بجوار والدته بمدافن العائلة بمدينة نصر، كان منصور موسوعة بشرية متنقلة، وظاهرة فكرية وأدبية خاصة في الكتابة والصحافة في مصر والوطن العربي.