سينما حرب أكتوبر
الإثنين 04/أكتوبر/2021 - 01:01 م
السينما هي الوثيقة المسموعة والمرئية التي تسجل الأحداث التاريخية بكل نبضاتها ولم تكن السينما يوماً في معزل عن أحداث جسام كحدث حرب أكتوبر المجيدة فكانت السينما ومازالت تسجل كل حدث يمر في تاريخ البلاد خاصة أحداث الحرب لما لها من عظيم الأثر في حياة كل إنسان صغير أو كبير.
تأثرت السينما المصرية بحرب أكتوبر المجيدة 1973، وكان لهذا التأثر ستة أفلام بعد الحرب مباشرة أفلام واكبت الحدث قدر استطاعتها ولكن تبقى هذه الأفلام تحت مسمى سينما الحدث أو سينما رد الفعل.
وبخلاف هذه الأفلام الست كان إرهاصات سينمائية لحرب أكتوبر، وكان هناك سينما ما بعد أكتوبر، وكان هناك كواليس وهوامش في سينما حرب أكتوبر.
في عام 1972 ظهر فيلم واحد يمهد لحرب أكتوبر 1973، فيلم «أغنية على الممر»، من إخراج للمخرج الكبير علي عبد الخالق، وتناول الفيلم حرب الاستنزاف وشعور الجنود بالهزيمة بعد 67 وأملهم وإصرارهم على النصر.
ويعد هذا الفيلم سيكو دراما حربي كما أطلق عليه النقاد، وقام ببطولته محمود مرسي ومحمود ياسين وصلاح السعدني وصلاح قابيل وأحمد مرعي مع مديحة كامل ولم يلقي هذا الفيلم نجاحاً جماهيرياً و لكنه نال إستحسان النقاد و المثقفين وظلت السينما المصرية بعيدة عن احداث الحرب و الهزيمة إلي أن جاء الحدث الجلل نصر أكتوبر المجيد والذي كان له بالغ الأهمية والأثر في صناع السينما وعلي رأسهم المنتج الفنان رمسيس نجيب الذي سارع بإنتاج أول فيلم عن حرب أكتوبر بحوالي ثلاثة شهور وتم عرضه في نفس توقيت نصر أكتوبر في العام التالي 1974 فيلم { الرصاصة لا تزال في جيبي } والذي قام الرئيس السادات بتكريم أسرة الفيلم على إعتبار أنه كان هو الأهم في الافلام التي تناولتحرب أكتوبر المجيدة ومنحهم شهادات تقدير لكل منهم وأمر بعرض الفيلم مباشرة على شاشة التلفزيون المصري.
ويأتي في المرتبة الثانية من الأهمية والتقدير الفني والجماهيري فيلم { العمر لحظة } والذي أنتج بعد الحرب بثلاث سنوات عام 1978 وكان أنضج هذه الأفلام لكونه إبتعد بعض الشئ عن سينما التأثر أو سينما رد الفعل.
كان فيلم { العمر لحظة) هو آخر ظهور للفنانة ماجدة الصباحي بطلة الفيلم علي الشاشة العربية وقررت الإعتزال بعده ورغم نجاح الفيلم لكن لم يغطي تكاليفة تدانيت ماجدة الصباحي للبنك بمبلغ 200 ألف جنيه وكانت تستطيع أن تعرض الأمر علي السيدة جيهان السادات أثناء تكريمها منها بمناسبة هذا الفيلم ولكن رفضت رفضا قاطعاً وتحملت هي الخسارة المادية مثلما حصلت علي المكسب الأدبي والفني والتاريخي وكان النجم محمود ياسين هو المرشح الأول لبطولة الفيلم لكنه إعتذر حتي لا يكرر نفسه للمرة الرابعة في نفس الدور وتم إسناد الدور لمحمد خيري الذي يعد هو أهم عمل فني في حياته وبهذا الفيلم تنتهي علاقة السينما المصرية بحرب أكتوبر المجيدة ولم يتبقى سوي مشهد هنا أو جمله هناك أو إشارة لحرب أكتوبر في بعض الأفلام.
وبالرغم من إنتاج فيلمي "بدور" و"الوفاء العظيم" للثنائي الأشهر في السبعينات نجلاء فتحي ومحمود ياسين إلا أن الفيلمين كانا أيضاً ضمن أفلام رد الفعل ، وأيضاً جاء فيلم "حتي آخر العمر" لنجوي إبراهيم و محمود عبد العزيز وتعد تجربة ناضجة بعض الشيء.
ولكن الملاحظ من هذه الأفلام أنها أفلام لا ترتقي بقيمة وعظمة الحدث ولكنها كانت تجارب لا بأس بها، وبالرغم من أننا لا نشعر بذكري حرب أكتوبر المجيدة إلا بعرض هذه الأفلام و مشاهدتها طالما طلبنا من صناع القرار في السينما المصرية أن يقدموا علي إنتاج عمل فني يليق بحرب أكتوبر المجيدة.
ولا ننكر وجود ملامح سينما أكتوبر تطل من جديد في بداية التسعينات من خلال سينما أفلام التليفزيون التي كانت تحظي بمشاهدة عالية وقتئذ ، وكانت هناك تجارب لا بأس بها تقترب من سينما حرب أكتوبر المجيدة بشكل أو بآخر وكلها تجارب سينما التليفزيون المصري من أهمها علي الاطلاق فيلم { الطريق إلى إيلات } عام 1993 مع أنه فيلم تليفزيوني و لم يعرض على شاشة السينما إلا أنه حظي بنجاح منقطع النظير وأصبح علامة فارقة في تاريخ أفلام الحروب و قد تناول الفيلم أول إنتصار للجيش المصري بعد هزيمة 67 من خلال تدمير المدمرة إيلات و كان أول رد إعتبار لمصر و تفوقت المخرجة إنعام محمد علي علي نفسها في هذا الفيلم الذي أصبح تاريخيا و يذكر أن يوم عرضه على شاشة التلفزيون المصري كان حدث إعلامي كبير و كان كبار إعلامي الشاشة يقدمونه مع أسرة الفيلم في سابقة لم تحدث من قبل.
ثم يأتي فيلم { حكايات الغريب } وهو فيلم يتناول كل شعب مصر في رجل واحد منذ بداية هزيمة 67 إلي ما بعد حرب أكتوبر المجيدة و هو فيلم غني فنيا و جديد في تناوله موضوع حرب أكتوبر وكأنه يبعث رسالة أن كل المصريين بداخل بطل الفيلم { الغريب } الذي يقوم بكل الأدوار الوطنية الباسلة في وقت واحد.
وحتي نعطي كل ذي حق حقه نجد أبطال أفلام حرب أكتوبر كلهم من كبار نجوم الشاشة و يذكر أن هؤلاء النجوم منهم من رفض أن يتقاضى أجر و منهم من تقاضي أجر رمزي ، وكان للقوات المسلحة المصرية أكبر الأثر في تقديم هذه الأفلام من خلال مد يد المساعدة خاصة في المعارك الحربية التي تم تصويرها في الافلام وتقديم الذخائر والمعدات العسكرية وأية مساعدات لم تبخل بها قواتنا المسلحة المصرية.
ولكن برغم كل هذه الأعمال التي إجتهد فيها فنانينا الكبار ستظل مجرد محاولات لا بأس بها و لكنها لا ترقي للحدث العظيم حرب أكتوبر المجيدة 1973 فلم يظهر فيلماً يصور لنا مكانة و عظمة هذا الحدث الذي غير خريطة العالم بأسره و وضع مصر في مكانة خاصة.
وبرغم من إنتاج فيلم "الممر" 2019 ونجاحه المنقطع النظير فكان عملا فنيا ناجح و مشرف ولكنه أيضاً لم يرتقي لقيمة وعظمة الحدث العظيم الذي غير وجه التاريخ العربي بأسره، لعل في الأيام القادمة نجد ذلك إن شاء الله.