معركة (الإخوان) الخاصة في اليمن
الثلاثاء 26/أكتوبر/2021 - 10:26 م
على مدار حلقات صراعها لأجل الوصول إلى السلطة، اعتمدت جماعة الاخوان المسلمين على ما تسمى "التقية" التي تجنبهم المواجهة المباشرة خصوصا في اوقات الضعف. وهذا ما يحكم سياسات حزب الإصلاح اليمني حاليا في التعامل مع الحكومة الشرعية ومخرجات اتّفاق الرياض.
ويُظهر حزب الاصلاح نفسه بصدد الاستجابة لمقتضيات اتّفاق الرياض والمشاركة جنبا إلى جنبِ غريمه المجلس الانتقالي الجنوبي في حكومة الشراكة التي نتجت عن الاتّفاق الذي رعته السعودية وبذلت جهودا كبيرة لتنفيذه.
لكن الحزب يواصل العمل لحسابه الخاص سعيا لاستكمال التمكين العسكري والاقتصادي بعيدا عن أهداف الشرعية التي يقودها الرئيس عبدربه منصور هادي والتي لا تمثّل بالنسبة لإخوان اليمن سوى غطاء سياسي سيزيحونه عنهم عندما تنتفي الحاجة إليه.
ما يقوم به الإخوان في جنوب اليمن يمثّل نموذجا على سلوكهم الانتهازي تجاه الشرعية اليمنية رغم ما جنوه من العمل تحت رايتها من مكاسب كبيرة. وإذا كان هدف الشرعية ومن ورائها التحالف العربي بقيادة السعودية هو إعادة الهدوء وبسط الاستقرار في الجنوب، وتوظيف مختلف القوى في مواجهة الحوثيين واستعادة المناطق من سيطرتهم، فإنّ مخطّطات حزب الإصلاح تسير في اتّجاه معاكس تماما لغايات الشرعية والتحالف الذي يدعمها، حيث تمثّل تحرّكات الإخوان وتحشيدهم العسكري واستيلاؤهم على الموارد الاقتصادية، وصفة لإفشال حكومة المناصفة وإعادة عدن وشبوة وأبين وغيرها من محافظات الجنوب إلى مربّع الصراع الدامي الذي جاء اتّفاق الرياض لوقفه.
والتقية تعني في تعريفها البسيط إظهار شيء وإضمار نقيضه اتّقاء لشّر او دفعا لضرر أو تحقيقا لمنفعة. وبلغة أكثر وضوحا هي تشريع اللجوء إلى الكذب والخداع إذا كانا يساعدان على تحقيق المصالح.
بالنظر إلى أنّ تنفيذ الشقّ العسكري والأمني في الاتّفاق لم يُستكمل بعد، فإنّ التحرّكات العسكرية لجماعة الإخوان تضع المزيد من العراقيل في طريق الوصول بالاتّفاق إلى غاياته النهائية، وتهدّد بنسف ما تحقّق بفعله من مكاسب.
ويقود ذلك إلى مفارقة صادمة في علاقة الشرعية اليمنية بالتيار الإخواني المنتمي إليها، فبينما تريد هي أنّ توظفه كظهير وداعم لها في صراعها الأصلي ضدّ جماعة الحوثي التي انقلبت عليها واحتلّت عاصمتها، يحدث العكس تماما حيث تصبح الشرعية بحدّ ذاتها أداة بيد الإخوان في صراعهم ضدّ خصومهم ووسيلة من وسائل التمكين لهم.
أما المعركة ضدّ الحوثي فلا تقع ضمن دائرة اهتمام الإخوان ولا على لائحة أهداف داعميهم القطريين والأتراك، الذين تجمعهم مع الإيرانيين المشغّلين الأصليين للجماعة الحوثية مصلحة مشتركة في العمل ضدّ التحالف العربي ومحاولة إفشال جهوده لفرملة اختراق إيران لجنوب الجزيرة العربية. وبدل انخراط حزب الإصلاح بما يمتلكه من قدرات بشرية ومادية ومن قوّة عسكرية، في مواجهة ميليشيات الحوثي، ينصرف عنها ويخلي المناطق أمام زحفها ويوجّه جهوده نحو مقارعة المجلس الانتقالي الجنوبي.
يشكّل الحفاظ على موطئ قدم في مناطق جنوب اليمن قضيّة مصيرية لحزب الإصلاح ومستقبل جماعة الإخوان في البلد، وذلك بعد أن فقد معاقله في شمال البلاد الواقع تحت سيطرة جماعة الحوثي، بينما يتعرّض معقله الباقي في محافظة مأرب لضغوط عسكرية مستمرّة من قبل الحوثيين، الأمر الذي يرفع من القيمة الاستراتيجية لمحافظة شبوة المجاورة، ليس فقط كقاعدة خلفية للدفاع عن مأرب، ولكن أيضا كشريان حياة وكمنفذ بحري منفتح على خليج عدن كفيل بتأمين التواصل مع الداعمتين الإقليميّتين لحزب الإصلاح قطر وتركيا وتلقّي الإمداد منهما.
وعلى هذه الخلفية ركّز حزب الإصلاح جهوده للاستقرار في شبوة وتحويلها إلى مركز اقتصادي له وذلك من دون أن يتخلّى الحزب عن جهوده للتمدّد في محافظة أبين شرقي عدن، ومحافظة لحج بشمالها، إلى جانب الحفاظ على تمركزه في محافظة تعز غربا والتي يعدّها إخوان اليمن خزّانا بشريا لهم.
ولتحقيق تلك الأهداف، يستغلّ حزب الإصلاح فترة التهدئة التي أرساها اتّفاق الرياض، والتي يعتبرها مؤقّتة بفعل التضادّ بين فكر وأهداف طرفي الاتّفاق: الشرعية اليمنية التي تعرض نفسها كسلطة جامعة وشاملة لمختلف مناطق اليمن، والمجلس الانتقالي الجنوبي الذي يطرح برنامجا مختلفا تماما يقوم على فكرة استعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة حتّى مطلع تسعينات القرن الماضي وقبل الإعلان عن توحيد شطري البلاد.
وتُظهر التحرّكات العسكرية الكثيفة للإخوان في شبوة وأبين ولحج وتعز أنّهم بصدد الإعداد لجولة قادمة من المواجهات ضدّ المجلس الانتقالي الجنوبي يرون أنّ حدوثها مسألة وقت، بينما يُظهر استقرارهم في شبوة وشروعهم في إنشاء بنيتهم الاقتصادية الخاصّة بهم والملائمة لتوثيق تعاونهم مع داعميهم الإقليميين أنّهم بصدد التأسيس لنفوذ مستقبلي دائم بجنوب اليمن، كتعويض عن سيطرة الحوثيين على معاقلهم في بعض مناطق الشمال مثل محافظة عمران التي كانت سنة 2014 مسرحا لمعركة كبرى خاضها جيشهم ضدّ جماعة الحوثي وانهزم فيها مفسحا الطريق للحوثيين نحو العاصمة صنعاء.
وترصد مصادر يمنية مواصلة حزب الإصلاح تحشيد قواته في منطقة واسعة على شكل هلال يطوّق عدن من الشرق والشمال والغرب، حيث يتم تجنيد الآلاف من المقاتلين وفتح المعسكرات لهم بدعم مالي سخي من دولة عربية دأبت على إسناد وتمويل الإخوان المسلمين.
كما أن حزب الإصلاح اليمن يسعى منذ اندلاع الحرب الى السيطرة على المناط قالغنية بالنفط والغاز في اليمن وفق الاستراتيجية المعروفة للجماعة الأم، وتمكن بالفع لمن السيطرة على مأرب وشبوة الغنيتين بالنفط والغاز، لكنه يواجه رفضا شعبيا متزايدا خصوصا في محافظة شبوة التي يميل سكانها الى المجلس الانتقاليالجنوبي ومطالب الانفصال عن اليمن الشمالي.
وفي شبوة نفسها ارتكب حز بالإصلاح خطا قد يكلفه الكثير فأوكل المحافظة إلى محافظ عرف عنه الفساد والمتاجرة بثروات المحافظة جهرا وسرا، كما عمل على أخونة كل مكاتب ومفاصل السلطة في المحافظة ودخل بنزاعات واقتتال مع معظم قبائلها، وها هو الرجل وحزب الإصلاح من ورائه يواجهون رياح انتفاضة شعبية وقبلية في شبوة كما أعلنت قيادات عسكرية رفيعة انشقاقها عنهم هلال اليومين الماضيين
وتقول المصادر إنّ حزب الإصلاح أوكل للقيادي الإخواني حمود سعيد المخلافي، مهمّة إنشاء جسم عسكري يستلهم تجربة الحشد الشعبي في العراق، مؤكّدة قيام المخلافي باستحداث معسكرات للحشد الإخواني في مناطق الحجرية والمعافر وجبل حبشي بتعز.
ويقوم المخلافي في الوقت ذاته بتأمين التواصل مع قطر وتنظيم عملية جلب التمويلات المخصّصة من قبلها للإنفاق على الحشد وتأمين معدّاته ورواتب مجنّديه.
ووفق المصادر ذاتها تقوم المرحلة الثانية بعد التجنيد والتدريب والتسليح، على إدماج الحشد الإخواني ضمن قوات الشرعية اليمنية، عبر الاستعانة بكبار الضباط والمسؤولين المنتمين لحزب الإصلاح والذين يشغلون مناصب عسكرية ومدنية مرموقة لاستصدار قرارات من وزارة الدفاع بتحويل التجمّعات الميليشياوية إلى ألوية عسكرية تتبع وزارة الدفاع للتغطية على أنشطتها وإضفاء المشروعية على تلك الأنشطة.
ويبدو أنّ رهان الإخوان في حسم معركة النفوذ في جنوب اليمن ضدّ المجلس الانتقالي يقوم على تكرار نموذج محافظة شبوة التي تحولت من معقل للمجلس وخطابه المطالب بفك الارتباط إلى أحد أبرز معاقل الإخوان السياسية والاقتصادية. وتعززت تلك الرهانات من خلال افتتاح أول منفذ بحري يسيطر عليه الإخوان بشكل كلي ويشكّل بوابة للتواصل مع أطراف إقليمية أخرى تطمح إلى اقتحام الملف اليمني، كما هو حال تركيا التي تتواجد قواعدها العسكرية في سواحل الصومال غير بعيد عن موقع الميناء الجديد.