وكيل الأزهر: اكتشاف جوانب التفرد والتميز في تراثنا وهويتنا من الضرورات الملحة
أكد الدكتور محمد الضويني، وكيل الأزهر، أن إعادة قراءة الذات، واكتشاف جوانب التفرد والتميز في تراثنا وهويتنا من الضرورات الملحة في ظل محاولات التغييب المتعمد التي تكاد تعصف بأدمغة الشباب وعقولهم، وتطمس ملامح الهوية في قلوبهم، ولولا عناية الله بالأمة، وحفظه للكتاب والسنة بالعلوم التي دارت عليهما، وبالعلماء الذين أنفقوا أعمارهم صيانة لهما، وبالمؤسسات التي أضاءت جنباتها بأنوارهما؛ لكان ما كان مما سجله التاريخ من اندثار أمم وضياع مجتمعات!.
وأضاف وكيل الأزهر خلال كلمته بالمؤتمر الدولي الثاني لـ «جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية» والذي جاء تحت عنوان «الدراسات الإسلامية في الجامعات: الرؤى والمناهج»، أن من أهم ما يميز الفكر والدراسات الإسلامية أنها ليست موقوتة بعصر معين ولا بزمن مخصوص، وأنها ليست محدودة بمكان ولا بأمة ولا بشعب ولا بطبقة، وأنها لا تخاطب القلب دون العقل، أو تخاطب العقل دون القلب، أو تدور حول الغيب دون الشهادة، أو تدور حول الشهادة دون الغيب، بل تمتاز بالشمول؛ فهي تخاطب كل الأمم، وكل الأجناس، وكل الشعوب، وكل الطبقات، وتربي القلب والعقل معا، وتصلح الدنيا والآخرة.
وبيّن الدكتور الضويني أن الشمول يتجلى في العقيدة والإيمان، وفي العبادات والمعاملات، وفي الأخلاق والفضائل، وفي التشريع والتنظيم؛ ولعل السبب الرئيس في هذا الشمول وهذه السعة أن الفكر الإسلامي ينظم حياة الإنسان بحسبانه فردا، وبحسبانه جزءا من المجتمع، ثم ينظم ما يكون بين الأمم والشعوب مما تفرضه ضرورة الاجتماع الإنساني، وكل هذه المعالجات دون أي خيال أو مثالية مفرطة، ودون تضليل أو واقعية محبطة، وإنما معالجة وسطية تعالج مشاكل الإنسان واحتياجاته، وترتب سلوكه وعلاقاته، وتحفظ عليه دينه ودنياه وآخرته.
وأوضح فضيلته أن الأزهر أقر مناهج أصيلة تعمل على تصحيح العقيدة وصيانتها من الشبه والأباطيل، وتمدهم بالحقائق الإيمانية نقية دون تشويه، وتأخذ الواقع إلى حياض الشريعة في غير تضييق ولا جمود، وتوجه سلوك الناس في إطار من السماحة، وتجدد وعيهم وتبصرهم بالتيارات والاتجاهات والمذاهب المعاصرة؛ فلا عجب بعد ذلك أن توصف مناهج الأزهر وكلياته ومعاهده بأنها تجدد عمل النبوة في الأمة إصلاحا وتيسيرا!.
وأكد الدكتور الضويني أنه قد استقام للأزهر على مدى قرون منهج يقوم على بناء ملكة رصينة لدى أبنائه تعنى بدراسة الكتاب والسنة، والعلوم التي تخدمهما، أعني علوم أصول الدين وأصول الفقه، وعلوم القرآن، وعلوم الحديث الشريف، وعلوم الفقه المذهبي والمقارن، وعلوم العربية، وغيرها، مع عقل واع يربط الحاضر بالماضي ويستشرف المستقبل، في مزج عجيب يؤصل للوقائع المتجددة، ولا يتنكر للماضي، في ضوء قواعد راسخة وأصول مقررة تعين الخريجين النجباء في هذا المعهد على الوفاء بحاجات الأمة، وتؤهله لأن يتبوأ من نفوس العالم مكانة عليا، مستعرضا السمات المميزة للمنهج الأزهري، مبينا أنه منهج كما يأتي متميزا بتوازنه واعتداله، أصله ثابت وفرعه في السماء، فهو ينفتح على الآخرين وعلومهم وفكرهم، مع احتفاظ بالأصول والثوابت ودفاع عنها وحراسة لها، فهومنهج متصل بجذور تمتد في عمق التاريخ والجغرافيا رواية ودراية وتزكية، وأنه منهج يعظم شأن الأمة المحمدية، وفي الوقت نفسه يعمل على تحقيق الهداية العامة للناس كل الناس، ويدرك حقوق غيرنا علينا.
وأوضح وكيل الأزهر أن من أهم التحديات التي تواجهها الدراسات الإسلامية اليوم ليس في قدرتها على إيصال رسالة الإسلام كما أراد الله، وإنما في مواجهة ما يمكن أن نسميه «الصراع على الإسلام»، ما بين اتجاه يعنى بالدراسات الإسلامية على طريقة خاصة، ووفق منظور معين، دون حيادية أو موضوعية، ودون استجابة لما تفرضه نتائج البحث والنظر، وغالبا ما نجد هذا في الدراسات الغربية عن الإسلام وتراثه، والتي تحاول أن تؤطر الإسلام في أطر بعيدة عن مقاصده وأهدافه، وما بين اتجاه آخر هو أشد وطأة على علوم الإسلام من سابقه؛ يتنكر للدراسات الإسلامية نفسها، ويراها عبئا على المجتمعات، ويحاول استيراد نموذج معرفي غريب عن نظامنا المعرفي الإسلامي، يوقع الناس في حالة استلاب فكري وانهزام حضاري، وهذا الاتجاه للأسف من بني جلدتنا!.
وأكد وكيل الأزهر أن تطوير المناهج الإسلامية ورؤاها والاستفادة بمستجدات العصر ومعطياته أصبح من الضرورات الواجبة شرعا؛ لأن مقاصد الدراسات الإسلامية توجب هذا، فضلا عن التنافس الفكري والتسابق الحضاري الذي يحاول فيه كل فريق أن يجذب غيره إليه، وهو ما يحتم استعمال التقنية والوسائل الحديثة في مجال الدراسات الإسلامية في الجامعات، فلقد تغيرت الوسائل المعاصرة التي تعين على التحصيل العلمي، والتراكم المعرفي، فقديما كان المسجد وأروقته وشيخه، ثم تطور الأمر إلى قاعات المحاضرات والمكتبات، واليوم زاحمت التكنولوجيا في العملية العلمية والتعليمية، وأصبح الإنترنت معلما وموجها وميسرا.