"الألحان التي لا تموت".. ما لا تعرفه عن فنان الشعب في ذكرى وفاته
الخميس 10/سبتمبر/2020 - 03:55 م
يأتي اليوم ذكرى وفاة الفنان الراحل "سيد درويش" الـ 97، صاحب النهضة الموسيقية في مصر والوطن العربي، والألحان التي لا تموت؛ حيث ترك إرثاً موسيقياً خالداً، والآن تعرف على أهم المحطات في حياته.
من هو سيد درويش؟
اسمه الحقيقي السيد درويش البحر، مطرب وملحن مصري، ولد في الإسكندرية في 17 مارس 1892، وعاش في حي كوم الدكة بالإسكندرية وهو يُعد حي من الأحياء الشعبية الفقيرة، وتوفى في 10 سبتمبر 1923.
أسرته
جاء سيد درويش من أسرة فقيرة؛ حيث كان والده بحاراً فقيراً، عمل في ورشة صغيرة في كوم الدكة، وكان يصنع القباقيب والكراسي الخشبية، ويحصل على رزقه هو وأسرته بصعوبة شديدة، وكان أمياً لا يقرأ ولا يكتب، كما كانت أمه أمية هي الآخرى، وكان درويش أصغر أخواته، حيث سبقته إلى الدنيا شقيقتان تكبرانه قليلاً، وتزوج وهو بعمر 16 عاماً، وأصبح مسئولاً عن عائلة.
نشأته
كان أبوه يريد أن يراه شيخاً معمماً يحفظ القرآن ويجوده، وأدخله كتاب "حسن حلاوة" بالحي نفسه فتعلم مبادئ القراءة، والكتابة، وحفظ قسطاً من القرآن الكريم، وكان شغوفاً في طفولته بالاستماع الى الشيوخ الذين يحيون المولد النبوي ويحفظ عنهم ويقلدهم أمام أطفال الحي.
وأجاد القراءة والكتابة وحفظ قسطاً كبيراً من القرآن، في سن العاشرة وعندما توفى والده، صممت أمه أن يتم تعلمه كما أراد والده، ونقلته إلى مدرسة أولية تصادف من كان فيها معلم يهتم بتحفيظ الأطفال الأناشيد الدينية والقومية، واسترعى الطفل سيد درويش انتباهه، فخصه بعنايته وجعله يقود الأطفال في ترتيل الأناشيد، ونمت معه موهبته وخرج من حدود الحي.
وأصبح يرتاد الأحياء الشعبية الأخرى، ويستمع الى مشاهير الشيوخ المقرأين والمطربين الذين يحيون الأفراح والمواليد الدينية، واشترت له أمه ملابس رجال الدين، وهو غلام في الثالثة عشر من عمره.
وتقدم للالتحاق بالمعهد الديني التابع لأحد مساجد الإسكندرية وهو مسجد "العباس المرسى"؛ لكي يتم حفظ القرآن، وتجويده، وكان شغوفاً بالقراءة والإطلاع ويقرأ كل ما يقع في يده من كتب، وصحف عربية.
بدايته الفنية
أراد درويش أن يبحث عن مصدر رزق له، ولأسرته، عندما تزوج في سن السادسة عشر؛ لذلك اشتغل مع الفرق الموسيقية، لكنه لم يوفّق، فاضطر أن يشتغل عامل بناء، وكان خلال العمل يرفع صوته بالغناء، مثيراً إعجاب العمال وأصحاب العمل.
واكتشفه حينها الأخوان أمين وسليم عطا الله، وهما من أشهر المشتغلين بالفن، في مقهى قريب من الموقع الذي كان يعمل به الشيخ سيد درويش، فاسترعى انتباههما ما في صوت هذا العامل من قدرة وجمال، واتفقا معه على أن يرافقهما في رحلة فنية إلى الشام في نهاية عام 1908.
عاد إلى الشام في عام 1912 وبقي هناك حتى عام 1914 حيث أتقن أصول العزف على العود، وكتابة النوتة الموسيقية، فبدأت موهبته الموسيقية تتفجر، ولحن أول أدواره يا فؤادي ليه بتعشق.
وانتقل درويش إلى القاهرة في 1917، وبمجرد انتقاله سطع نجمه، وتألق بإنتاجاته الغزيرة،؛ حيث أنه في خلال حياته الفنية بين الإسكندرية والقاهرة ألف عشرة أدوار للتخت، وهي عبارة عن سيمفونيات عربية و17 موشحاً على النمط القديم، ولكن بروح جديدة، ونحو 50 طقطوقة وهي الأغاني الخفيفة.
وقام بالتلحين لكافة الفرق المسرحية في عماد الدين أمثال فرقة نجيب الريحاني، جورج أبيض وعلي الكسار، حتى قامت ثورة 1919 فغنى قوم يا مصري.
أدخل سيد درويش في الموسيقى للمرة الأولى في مصر الغناء البوليفوني، (أي إصدار نغمتان أو أكثر في نفس الوقت بالعمل الموسيقي)، في أوبريت العشرة الطيبة وأوبريت شهرزاد والبروكة.
بلغ إنتاجه في حياته القصيرة من القوالب المختلفة العشرات من الأدوار وأربعين موشحا، ومائة طقطوقة، و 30 رواية مسرحية وأوبريت.
وإنه ما كان يلحن أغنية حتى يرددها أفراد الشعب، والعوالم اللواتي يقمن الأفراح، والمسارح الغنائية، وموسيقات الجيش، والموسيقات الأهلية.
وتعتبر أغنية "زوروني كل سنة مرة حرام تنسوني بالمرة" هي أول أغنية من تلحين سيد درويش.
أعماله
تشمل أعمال سيد درويش (ألحان مسرحية – أدوار موشحات – أناشـيد – أغاني)
أوبريت
قدم سيد درويش (30 أوبريت مسرحى – 256 لحن)
فرقة جورج أبيض 1 أوبريت (فيـــروز شاه)
فرقة الريحانى 12 أوبريت (الهـوارى - خد بالك يا أســـتاذ - كلـه من ده - فشـــــر- ولـــــــو – الطاحونة الحمراء - إش - رن - شــهرزاد - العشــــرة الطيبة – الباروكة -قولوا له)
فرقة علي الكسار 11 أوبريت (فلفل – راحت عليك - مرحب – قلنا له
ولسة - أم أربعة وأربعين - الانتخابات – الهلال – أحلاهم - البربرى في الجيش – اللي فيهم)
فرقة منيرة المهدية 2 أوبريت (كلها يومين – كليوباترا)
فرقة أولاد عكاشة 3 أوبريتات (هدى - الدرة اليتيمة - عبد الرحمن الناصر)
فرقة سـيد درويش 4 أوبريتات (شهرزاد - العشرة الطيبة – الباروكة - العبرة).
أشهر ألحانه المسرحية
أوبريت العشرة الطيبة (واحدة أوه - آن الأوان يا حلوة آن - يحميكى يا شابه لشبابك - على قد الليل ما يطول – ياللى تصلى ع النبى تكسب - يا مرحبا بك - يقطع فلان على علان - يا حلالك يا بلالك بيها - اتمخطري يا عروسـة - الأمر أمر الأغاباشى – عشان ما نعلا ونعلا - احنا الغجر وانتوا الحكام - يا زمان الخلطبيط – هو بعينه – الليلة ياما اكتر عرسانها).
موشحاته (12 موشح)
(يا شادي الألحان - مقام راست - حبي دعاني - مقام شورى - يا عذيب المرشف - مقام راست - يا صاحب السحر - مقام حجاز كار - يا ترى بعد البعاد - مقام راست - يا بهجة الروح - مقام حجاز كار كورد - يا حمام الأيك - مقام نوا أثر - صحت وجدا - مقام بياتى - العذارى المائسات - مقام راست - اجمعوا بالقرب شملى - مقام عجم - يا غصين البان - مقام حجاز - منيتى عز اصطبارى - مقام نهاوند).
أدواره (10 أدوار)
(يا فؤادى ليه بتعشق - مقام عجم - عشقت حسنك - مقام بسـتة نكار - يا اللى قوامك يعجبنى - مقام نكريز - يوم تركت الحب - مقام هزام - فى شرع مين - مقام زنجران - أنا عشقت - مقام حجاز كار - الحبيب للهجـر مايل - مقام سازكار - عـواطفك - مقام نوا أثر - ضيعت مستقبل حياتي – مقام شورى - أنا هويت - مقام كورد).
أناشيده (12 نشيد)
(بلادي بلادي "من كلماته" - نشيد العروبة - أباة الضيم "كلمات بديع خيري" - بني مصر مكانكم تهيأ "كلمات أحمد شوقى" - احنا الجنود زى الأسود "كلمات بديع خيري" - اليوم يومك يا جنود "كلمات بيرم التونسى -قوم يا مصرى "كلمات بديع خيري" - أنا المصرى "كلمات بيرم التونسي" - الجيش رجع من الحرب "كلمات بيرم التونس" - دقت طبول الحرب "كلمات بيرم التونسي" - يا مصر يحميكى لأهلك "كلمات بديع خيري" - أحسن جيوش فى الأمم "كلمات بيرم التونسى" - مصرنا وطننا "كلمات سـيد درويش" ) .
أشهر أغانيه (66 طقطوقة ومونولوج)
(زورونى كل سنة مرة - مقام عجم - ياللى تحب الورد - مقام بياتى - ياناس انا مت ف حبى - مقام حجاز كار - حرج على بابا – مقام راست - بصارة براجة - مقام عجم - يا ورد على فـل - مقام عجم - خفيف الروح - مقام بياتى - أهو دا اللى صار - مقام حجاز كار كرد - طلعت يا محلا نورها - مقام جهاركاه - يا عزيـز عيـنى - مقام بياتى - والله تستاهل يا قلبى - مقام عجم - يا بلح زغلول - مقام جهاركاه).
تأثيره
لقد كان هدف الموسيقى المصرية قبل سيد درويش الطرب فقط، ولكنه جعل منها رسالة أكبر، وهي استخدام هذا الفن العظيم في الجهاد الوطني والإصلاح الاجتماعي.
بالإضافة إلى ناحية التطريب في الموسيقى، والغناء العربي على أن الطريقة التي سار عليها في ألحانه للأوبرا كانت منهجية صحيحة، وكأنه متخرج من أرفع المعاهد الموسيقية، فكان يتلوا النص الشعري أولاً؛ ليتفهم معانيه فهما دقيقاً.
ثم يعيش في بيئته، ويعاشر أبطاله، ثم يأخذ في إلقاء النص الشعري إلقاء تمثيلياً، يناسب عباراته ومعانيه كأنه ممثلا على خشبة المسرح.
وبعد ذلك يأخذ في إلباسه ثوبه الموسيقي الذي يناسبه.
وكان درويش يقول أن الموسيقى لغة عالمية، ونحن نخطئ عندما نحاول أن نصبغها بصبغة محلية حيث يجب أن يستمع الرجل اليوناني، والرجل الفرنسي، والرجل الذي يعيش في غابات أواسط أفريقيا إلى أي موسيقى عالمية، فيفهم الموضوع الموسيقي، ويتصور معانيه، ويدرك ألغازه.
لذلك وضع درويش موسيقى يفهمها العالم كله، على هذا الأساس.
وتجددت الروح في الطابع الأصيل للمزاج المصري، وما زال النشيد الوطني المصري "بلادي بلادي" الذي لحنه في مطلع القرن 20، هو النشيد القومي لمصر اليوم والمصريون يفتخرون به، كما لقب سيد درويش بـ "فنان الشعب والثورة".
وفاته
انتهت حياة هذا الفنان الخالد في 10 سبتمبر 1923، وهناك روايات كثيرة عن سبب وفاته، منها أنه توفي بسبب جرعة زائدة من المخدرات، ولكن أحفاده خرجوا ونفوا تلك الرواية، مستندين على خطاب بخط يده يقول فيه لصديقه أنه أقلع عن السهر، وكل ما يصاحبه وينصح صديقه بالتخلي عنهم واستندوا فيها أيضا على ما تم ذكره في مذكرات بديع خيري أن الشيخ سيد أقلع عن المخدرات ويظهر ذلك جليا في أغانيه التي تنصح الشعب بالابتعاد عن المخدرات.
أما الرواية المؤكدة بالأدلة أن سبب الوفاة هو تسمم مدبر من الإنجليز، أو الملك فؤاد؛ بسبب أغاني سيد درويش التي تحث الشعب على الثورة.
وتوفي سيد درويش عن عمر يناهز 31 عاماً ،وما أقصره من عمر، ولكن ما أكثره من إنتاج وما أشقّه من جهاد في سبيل هذه الحياة القصيرة المتواضعة.
إحياء تراثه
يُعد "إيمان البحر درويش" الذي يعتبر واحد من مشاهير الطرب في عصرنا هذا، هو حفيد الراحل سيد درويش.
وقام إيمان بإحياء تراث جده الفني، حيث غنى باقة متنوعة من أغاني درويش التراثية في حفلات، وأفلام، ومناسبات مختلفة، ومن هذه الأغاني : "عربات السيكا، موشح صحت وجداً، يا بلح زغلول، يا حلاوة أم إسماعيل، أنا المصري، دور أنا هويت، زوروني كل سنة مرة، مونولوج والله تستاهل يا قلبي، ولحن العمال".