علي جمعة : الرسول فى موقعة بدر ثبت بالقليل معه فى وجه الطغيان
نشر الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، عبرصفحته الشخصية على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"قائلاً: في ذكرى بدر لله تعالى دستور في التربية في الإعداد في تربية الاجتماع في بناء النفس المسلمة على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة كل ذلك في آياتٍ بيناتٍ من سورة آل عمران يشرح لنا ربنا فيها: ماذا نفعل؟ وكيف نفعل؟.
عندما نفذها سيدنا رسول الله ﷺ وثبت بالقليل معه في وجه الطغيان ، انتصر نصرًا نذكره إلى اليوم ؛ نصرًا جعل الله سبحانه وتعالى ينظر لأهل بدر فيقول : " اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ" على الحقيقة لا على المجاز، فلما كان واحد منهم وهو (حاطب بن أبي بلتعة) رضي الله تعالى عنه ضعفت نفسه وتشكك في أمر المشركين أن يأخذوا ماله في مكة راسلهم بخبر رسول الله ﷺ فيما يشبه التجسس، فعفى رسول الله ﷺ عنه لأنه علم أن ذلك كان عن ضعفٍ من حاطب، وحاطب ممن حارب في سبيل الله فغفر الله له وجعل حسناته تغلب على سيئاته. وقال ﷺ : "إنَّه قدْ شَهِدَ بَدْرًا، وما يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ اطَّلَعَ علَى مَن شَهِدَ بَدْرًا، فَقالَ: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ؛ فقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ".
لِمَ هذا ؟ لأن بدرًا حمت الدعوة ونفذت دستور الله ؛ هذا الدستور الذي بيّنه ربنا سبحانه وتعالى حيث يبوئ رسول الله ﷺ للمؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم وحيث يقول : {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (123) إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلَاثَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُنْزَلِينَ (124) بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ (125) وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرَى لَكُمْ وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (126) لِيَقْطَعَ طَرَفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ فَيَنْقَلِبُوا خَائِبِينَ (127) لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ (128) وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ يَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} يعني أنه رجحّ جانب المغفرة وقبول الخلق عندما يعودون إليه على العذاب وهو سبحانه {فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ} ، و{لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.
ثم بعد ذلك مباشرةً كيف ننصر الله ؟ { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }.
انظروا إلى التربية ، وانظروا إلى هذا الدستور ، وتأملوا في كل لفظة { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (137) هَذَا بَيَانٌ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ} وبعد ذلك يقول : { وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ }.
تدبروا كتاب ربنا واسألوا أنفسكم عن عناصر النصر التي يريدنا الله سبحانه وتعالى أن نقوم بها في أنفسنا وانظروا أين نحن منها؟ " ابدأ بنفسك ثم بمن تعول" بنفسك أولاً واخلع نفسك من دائرة سخط الله وابدأ مع الله صفحةً جديدة في هذا الشهر العظيم.