فيروس كورونا يغلق قاعات التحرير بالصحف الأمريكية
الإثنين 14/ديسمبر/2020 - 03:20 م
سرّعت جائحة وباء كورونا توجهاً برز منذ سنوات لدى الصحف الأميريكية إلى التخلّي عن مكاتبها وقاعات تحريرها، رغم احتفاظها بالصحافيين العاملين فيها، لكّن الدافع الفعلي لهذه الخطوة مالي أكثر مما هو صحيّ.
وبادرت "نيويورك ديلي نيوز" و"ميامي هيرالد" و"بالتيمور صن" أخيراً إلى فسخ عقود إيجار مكاتبها رسمياً وأعادتها إلى مالكيها في الأشهر الأخيرة، ومثلها فعلت نحو عشر صحف أخرى.
وبررت مجموعة "تريبيون بابليشينغ" التي تملك عددأ من هذه الصحف قرارها بـ "الحذر" الضروري في مواجهة فيروس كورونا المستجد. وأكد ناطق رسمي أن المجموعة "ستفكر مرة أخرى في احتياجاتها العقارية" بعد الوباء.
لكن معظم الصحافيين الذين قابلتهم وكالة فرانس برس أبدوا اعتقادهم بأن الصحف لن تعيد فتح قاعات تحريرها.
وقالت الصحافية النقابية التي تغطي الشؤون السياسية في "هارتفورد كارنت" (كونيتيكت) دانييلا ألتيماري تعليقاً على إغلاق "تريبيون بابليشينغ" قاعة التحرير رسمياً في مطلع ديسمبر الجاري "لا أعتقد أن الأمر مرتبط بالوباء، بغضّ النظر عما إذا كنا أظهرنا أن بإمكاننا العمل من المنزل وما زلنا نصنع صحيفة".
وأضافت بحزن أن "قاعة التحرير هي مصنع الأفكار"، مذكّرة بأن إن الصحافة "عملية عضوية، إذ أن الأفكار تنشأ من تبادل الصحافي الأحاديث مع زملائه".
أما أستاذ اقتصاديات الإعلام في جامعة بنسلفانيا فيكتور بيكارد فلاحظ أن "المجموعات الصحافية كماكلاتشي وتريبيون تستغل الفرصة لخفض أكلافها".
على مدى عقود، اهتمت الأعمال السينمائية والتلفزيونية بتقديم صورة عن الجو الذي غالباً ما يكون ساحراً في قاعات التحرير، ومن أبرزها "أول ذي بريزيدنتس من" إلى "سبوتلايت" إلى "بنتاغون بيبرز".
ولاحظت محررة "موديستو بي" (كاليفورنيا) رئيسة نقابة الصحافيين في الولاية ماريجكي رولاند أن "وجود صحافيين معاً في قاعة واحدة يُحدِث ما يشبه التفاعل الكيميائي". واضافت "ما مِن شيء أكثر إثارة للاهتمام وأكثر حيوية وغرابة في بعض الأحيان من أسرة التحرير، إنها خسارة كبيرة، وخصوصاً للصحافة المحلية" في المدن والولايات.
أما الصحف العملاقة من مثل "نيويورك تايمز" و"واشنطن بوست" و"وول ستريت جورنال"، فستُبقي على قاعاتها التحريرية، إذ نجحت في تغيير نموذجها الاقتصادي لتعويض الانخفاض في عائدات الإعلانات والانهيار في مبيعات نسخها الورقية نتيجة لزيادة الإقبال على تلك الرقمية.
ورأى فيكتور بيكارد أن "الصحف التي تخفق في تحقيق أرباح من خلال الاشتراكات (عبر الإنترنت)، أي كل الصحف تقريباً باستثناء الصحف الوطنية الثلاث، لا يمكنها أن تفعل الكثير" لتحسين أوضاعها، ولذلك "سيستمر (أصحابها) في خفض التكاليف".
وأبدت ماريجكي رولاند خشيتها من أن تصبح صيغة الاستغناء عن قاعة التحرير القاعدة و"النموذج" المهيمن على وسائل الإعلام الأميركية المكتوبة.
إلا أنها، مع ذلك، تثمّن "اكتفاء الصحف بالاستغناء عن المباني لا عن الصحافيين"، معترفة بأن "ماكلاتشي"، مالكة "موديستو بي"، أبقت على فريق عملها منذ بداية الجائحة.
لكنّ الحال ليست على هذا النحو في كل المؤسسات الصحافية. فـ"هارتفورد كارنت" خسرت أكثر من ربع موظفيها منذ يناير، وفقاً لعضو نقابة الصحافيين إميلي بريندلي التي تعتبر أن نموذج الصحيفة من دون قاعة تحرير "غير مقبول".
وفي الإطار نفسه، لجأت المجموعات الصحافية الكبيرة أيضاً في الأشهر الأخيرة إلى دمج الصحف وخفض توزيعها أو وتيرة صدورها وإقفال مطابع.
وما زاد من حدة هذا التوجه بروز صناديق استثمارية في القطاع الإعلامي تنتهج أساليب متشددة، ومنها مثلاً "ألدن غلوبال كابيتال" الذي يملك نحو 100 صحيفة ويضع نصب عينيه "تريبيون بابليشينج"، وكذلك صندوق "تشاتهام آست مانجمنت" الذي استحوذ أخيراً على "ماكلاتشي" بعدما أشهرت إفلاسها.
وأشارت إميلي بريندلي إلى أن الاستحواذ على الصحف يمكن أن يكون من قبل مجموعات من المستثمرين المحليين، وهو ما تعمل عليه "هارتفورد كارنت" راهناً. ورأى الأستاذ في جامعة "نورث إيسترن" دان كينيدي أن لدى الصحف المناطقية ورقة يمكن أن تفيد منها وهي أن "الناس يثقون بها أكثر مما يثقون بوسائل الإعلام الصادرة على المستوى الوطني".
وثمة مخرج آخر ممكن، وهو تحوّل الصحف شركات غير ربحية أو انضواؤها تحت لواء جمعيات أو مؤسسات.
لكنّ مثل هذه التحولات تبقى رهن رغبة المالكين الحاليين في "تأمين مستقبل للصحيفة" ، على ما قال دان كينيدي.
وأسف الأكاديمي لكون "المجموعات الكبيرة لا تكترث"، مشيراً إلى أن "سولت ليك تريبيون" و"فيلادلفيا إنكوايرر" أمثلة نادرة على تحولات من هذا النوع.
أما فيكتور بيكارد فشدّد على أن اللجوء في نهاية المطاف إلى الإعانات الحكومية أمر ضروري. وقال "لا أعتقد أن السوق سيكون قادراً على أن يدعم (مالياً) مستوى الصحافة الذي يحتاجه المجتمع الديمقراطي."