هل يصمد الاقتصاد الإسرائيلي مع استمرار الحرب علي غزة.. انهيار تام لبورصة تل أبيب والأسواق اليهودية تهوي وإغلاق شركات عديدة .. محللون وخبراء دوليون يكشفون الحقيقة
قال رئيس البنك الدولي، أجاي بانجا، إن الصراع بين إسرائيل وغزة صدمة اقتصادية عالمية لا ضرورة لها وسيجعل من الصعب على البنوك المركزية تحقيق خفض سلس للتضخم في اقتصادات عديدة إذا انتشر.
وأضاف في تصريحات سابقة، على هامش الاجتماعات السنوية للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي في المغرب “إنه مأساة إنسانية وصدمة اقتصادية لا نريدها، مضيفاً أن البنوك المركزية كانت قد "بدأت تشعر ببعض الثقة بوجود فرصة لتحقيق خفض ناعم للتضخم، وهذا (الصراع) سيجعل الأمر أكثر صعوبة".
وقال بانجا إن التأثير الاقتصادي المباشر لهذا الصراع أقل من التأثير الذي أحدثته الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي لأن الصراع بين إسرائيل وغزة لا يؤثر على صادرات النفط والحبوب والأسمدة.
لكنه أضاف أن التأثير ينتقل عبر الأسواق المالية مع ارتفاع الأصول الدولارية على نحو مفاجئ.
وقال بانجا إن البنك الدولي أوقف عملياته مؤقتا في قطاع غزة وأجلى عددا من موظفيه لأنه صار "منطقة حرب"، لكن عملياته في الأراضي الفلسطينية بالضفة الغربية لا تزال مستمرة.
وأضاف أن الاتحاد الأوروبي "ارتكب خطأ" في البداية بإعلانه قطع جميع المساعدات للأراضي الفلسطينية ردا على هجوم حماس على إسرائيل، وهو ما تم التراجع عنه لاحقا.
وقال "أنا أعمل في مجال التنمية... في نهاية المطاف ستحتاج هذه المناطق للمساعدة... وسنبذل قصارى جهدنا في سبيل ذلك".
الأسواق الإسرائيلية تهوي وإغلاق شركات عديدة
وعلى صعيد اخر.. تراجعت أسعار الأسهم والسندات الإسرائيلية وأغلقت العديد من الشركات أبوابها يوم الأحد غداة قتل مسلحين من المقاومة الفلسطينية مئات الإسرائيليين وخطف عدد آخر لم يُعرف بعد.
وهبط مؤشرا بورصة تل أبيب الرئيسية (تي.إيه 125) و(تي.إيه 35) بما يصل إلى سبعة بالمئة عند الإغلاق بقيادة انخفاض أسهم البنوك تسعة بالمئة، في تداولات بلغ حجمها 2.2 مليار شيقل (573 مليون دولار)، في حين انخفضت أسعار السندات الحكومية بنسبة تصل إلى ثلاثة بالمئة في رد فعل أولي للسوق على الهجوم الأكثر دموية على إسرائيل منذ عقود.
ورغم أن سوق الصرف الأجنبي مغلقة يوم الأحد، كان الشيقل عند أضعف مستوياته هذا العام بالفعل بسبب خطة الحكومة المثيرة للجدل بخصوص التعديلات القضائية.
وقال جوناثان كاتس، كبير الاقتصاديين في شركة ليدر كابيتال ماركتس، "من المتوقع أن تكون هذه الجولة من العنف أطول وأكثر حدة من الجولات السابقة، ومن الواضح أن لها تأثيرا سلبيا أكبر على الاقتصاد والميزانية العامة، حيث "من المرجح أن يضعف الشيقل بشكل حاد غدا ونرى احتمالا كبيرا أن يبيع بنك إسرائيل العملات الأجنبية في مرحلة ما".
وقال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إنه أصدر توجيهاته لرؤساء الإدارات بالوزارة بسرعة توفير الميزانيات اللازمة لإدارة الحرب، حيث قال بنك إسرائيل المركزي إن من السابق لأوانه تقييم الأضرار الاقتصادية الناجمة عن هذا الصراع، لكنه أشار إلى أن حربا استمرت 50 يوما مع مقاتلي حماس في غزة عام 2014 تسببت في أضرار حجمها 3.5 مليار شيقل، أو 0.3 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويتوقع البنك المركزي نموا ثلاثة بالمئة في عامي 2023 و2024.
قالت شركة طيران دلتا الأمريكية إن رحلاتها من إسرائيل إلى نيويورك وأتلانتا أُلغيت حتى يوم الاثنين، بينما قالت شركة طيران يونايتد إيرلاينز إن "العمليات المستقبلية في (المطار) سيتم تعليقها حتى تسمح الظروف باستئنافها". وقالت الخطوط الجوية الهندية إنه سيتم تعليق الرحلات الجوية من وإلى تل أبيب حتى 14 أكتوبر.
وقالت شركة أركيا، المنافس الأصغر لشركة يونايتد إيرلاينز، إنها تسير رحلات إنقاذ من أثينا لإعادة إسرائيليين كانوا يقضون عطلة، فيما قالت يسرائير، وهي شركة طيران إسرائيلية منافسة أخرى، إنها تسير رحلات إنقاذ من لارنكا في قبرص لكنها نبهت إلى احتمال تقليص رحلاتها في الأيام المقبلة بعد طلب أطقم أجنبية على بعض طائراتها المستأجرة مغادرة إسرائيل.
وقالت شركة إنفيديا، أكبر شركة في العالم لتصنيع الرقائق المستخدمة في الذكاء الاصطناعي ورسومات الكمبيوتر، إنها ألغت قمة الذكاء الاصطناعي التي كانت ستعقدها في تل أبيب الأسبوع المقبل وكان من المقرر أن يتحدث فيها رئيسها التنفيذي جنسن هوانج، مضيفاً أُغلقت المدارس ومنحت العديد من الشركات العاملين بها اجازة، وأغلقت معظم المتاجر باستثناء الأسواق التجارية التي تبيع المنتجات الغذائية والصيدليات.
وقالت جمعية المصنعين الإسرائيليين إن المصانع لا تزال تعمل على الرغم من حالة الطوارئ لضمان عدم نقص الغذاء والمنتجات الأساسية الأخرى، حيث قال رئيس الجمعية رون تومر "ستستمر جميع الشركات في العمل قدر الإمكان رغم ظروف الطوارئ الصعبة والقصف الصاروخي ونقص العمال. بفضل استقلال الإنتاج الإسرائيلي... حتى في أوقات الطوارئ، لن ينقص سكان إسرائيل أي شيء".
ورفضت شركة إنتل، أكبر جهة توظيف ومُصّدر في إسرائيل، الإفصاح عما إذا كان إنتاج الرقائق قد تأثر.
وقال متحدث باسم الشركة "نراقب الوضع في إسرائيل عن كثب ونتخذ خطوات لحماية ودعم عمالنا".
وقالت شركة صناعة الرقائق الإسرائيلية تاور سيميكوندكتور إنها تعمل كالمعتاد.
النداء الأكبر بعد حرب أكتوبر لإستدعاء جنود الاحتياط
توجه حكومة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ثاني أكبر نداء لجنود الاحتياط في التاريخ الإسرائيلي فتستدعي 300 ألف جندي أي نحو 3 في المائة من إجمالي السكان البالغ 9.8 مليون نسمة، حيث تعد تلك التعبئة العسكرية الجماعية لا تأتي في الوقت الأمثل للاقتصاد الإسرائيلي، ففي الأشهر الماضية كان انخفاض قيمة العملة الإسرائيلية الشيكل متواصلا، ومنذ بداية العام وحتى انطلاق عملية طوفان الأقصى فقد الشيكل 10 في المائة من قيمته نتيجة حالة عدم الاستقرار السياسي الذي تشهده إسرائيل جراء الاحتجاجات المتواصلة ضد مخطط الحكومة لإصلاح القضاء، بينما حذر البنك المركزي الإسرائيلي من أن الاقتصاد الوطني معرض لخسارة 14 مليار دولار أمريكي بسبب تلك الأزمة.
وإذ كانت تلك التعبئة العسكرية الضخمة تشكل إجراء حاسما للأمن القومي الإسرائيلي من وجهة نظر حكومة نتنياهو، فإنها ووفقا لمحللين إسرائيليين مثلت صدمة لقطاع الأعمال في إسرائيل. فجزء كبير من القوى التي استدعيت للقتال سيترك وظائفه فورا وبشكل مفاجئ لفترة ترجح المؤشرات كافة أنها فترة طويلة.
وسيترك استدعاء هذا العدد الضخم من الأيدي العاملة وإخراجه من العملية الإنتاجية، آخذا في الاعتبار أن قوات الاحتياطي الإسرائيلي مؤلفة أساسا من فئات عمرية شابة ذات إنتاجية مرتفعة، بصمات سلبية على إسرائيل، ولن يظهر التأثير المباشر في ارتباك الحياة اليومية للمجتمع الإسرائيلي فحسب، نتيجة نقص الأيدي العاملة اللازمة لإدارة البنية التحتية للبلاد، لكن أيضا في قطاع الأعمال نتيجة حدوث نقص مفاجئ في القوى العاملة.
لهذا فإن أوضاع كثير من الشركات الإسرائيلية باتت محفوفة بالخطر أو في مأزق حرج نتيجة الفراغ الناجم عن نقص الأيدي العاملة، وستتراجع القدرة الإنتاجية لكثير من القطاعات الاقتصادية الحيوية الإسرائيلية، يضاف لذلك إدراك قادة الجيش الإسرائيلي أن هذا العدد الضخم من جنود الاحتياط الذين تم استدعاؤهم للقتال في حملة عسكرية طويلة الأمد وخطيرة سيكون أمرا مكلفا ماليا ومجتمعيا لأعوام مقبلة، فعلى الحكومة والمجتمع إعادة تأهيل كثير من الجنود الذين سيعودون معاقين من غزة ورعاية أسر الجنود الذين سيلقون مصرعهم هناك.
وتشير أغلب التقديرات إلى توقع حدوث تأخير في كثير من المشاريع نتيجة لغياب موظفين رئيسين تم استدعاؤهم للجيش، كما أن العبء الملقى على عاتق الموظفين المتبقين الذين يواصلون العمل في ظروف صعبة سيؤدي حتما إلى زيادة أعباء العمل وزيادة مستويات التوتر المجتمعي وبما يؤثر في الكفاءة العامة، وسيكون على الاقتصاد الإسرائيلي البحث الدائم عن التوازن بين الضرورات المعقدة للأمن القومي من جانب والجدوى الاقتصادية من جانب آخر، وهو ما سيتجاوز تأثيره بالتأكيد قضية الاستقرار والصمود في الحرب الجارية، ليؤثر في قدرة إسرائيل على المدى الطويل في مواجهة الصراعات المستمرة مع جيرانها.
يقول الباحث الاقتصادي إس. دي. ليام إن الاقتصاد الإسرائيلي قبل اندلاع تلك الحرب كان يتوقع له أن ينمو بنسبة 3 في المائة هذا العام مقارنة بـ6.5 في المائة العام الماضي وذلك وفقا للبيانات الصادرة من بنك إسرائيل، بينما بلغت توقعات وكالة إس آند بي للتصنيف العالمي ألا يتجاوز الاقتصاد الإسرائيلي معدل نمو 1.5 في المائة، وعلى الرغم من أن إسرائيل دخلت تلك الحرب ولديها اقتصاد قوي وفقا لكثير من المعايير، إلا أنه اقتصاد يسير في مسار هبوطي، ومن المرجح أن تسرع تلك الحرب أيا كانت نتائجها من هذا المسار، خاصة أن محرك نموها الرئيس وهو قطاع التكنولوجيا الفائقة يواجه صعوبات جمة، كما تعمل أسعار الفائدة المرتفعة على إعاقة الإنفاق الاستهلاكي.
مشيراً إلي أن الحرب ستعمق تلك الحرب مجموعة من المخاوف التي كانت سائدة في إسرائيل في الفترة الماضية، ويحتمل أن تؤدي إلى ركود اقتصادي هذا العام، فالاحتجاجات التي كانت تشهدها إسرائيل نتيجة معارضة قطاعات كبيرة من المجتمع لخطة الإصلاح الحكومي للقضاء أدت إلى انخفاض كبير في الاستثمارات في قطاع التكنولوجيا المتقدمة الذي يعد محورا أساسيا للاقتصاد الإسرائيلي، حيث إن 40 في المائة من النمو الاقتصادي يأتي من هذا القطاع.
ويضيف "انخفضت الاستثمارات في شركات التكنولوجيا للنصف الأول من هذا العام بنسبة 68 في المائة وتراجعت إلى 3.7 مليار دولار وهو أدنى معدل منذ 2018، وتراجع أيضا قطاع التكنولوجيا المالية في إسرائيل وكذلك تكنولوجيا المعلومات وسجل أكبر الانخفاضات حيث انخفض بأكثر من 80 في المائة، ولا شك أن تلك الحرب خاصة مع قصف حماس لمدن إسرائيلية رئيسة ستدفع رؤوس الأموال الأجنبية للفرار أو تحاشي الاستثمار في إسرائيل مستقبلا".
مع هذا يرى بعض الخبراء أنه يصعب الجزم بحجم خسائر الاقتصاد الإسرائيلي من تلك الحرب في الوقت الراهن، إذ سيتوقف ذلك على عدد من العوامل من أبرزها الفترة الزمنية للحرب ونطاقها خاصة إذا اتسع القتال وامتد إلى لبنان، وطبيعة المساعدات الدولية التي ستحصل عليها إسرائيل، ففي الوقت الحاضر من الصعب جدا معرفة كيف ستتطور الحرب، وبعض تقديرات البنوك الإسرائيلية أشارت إلى أن تكلفة الحرب مع حماس ستبلغ 27 مليار شيكل أي ما يعادل سبعة مليارات دولار أمريكي، لكن أعتقد أن هذا التقدير متواضع للغاية، وستراوح التكلفة الاقتصادية ما بين 10- 14 مليار دولار، أما إذا اتسع نطاق الحرب فإنه يصعب حاليا حساب تكلفتها أو الخسائر التي يتعرض لها الاقتصاد الإسرائيلي".
وبحسب "بعض الخبراء الإسرائيليين يستندون في تقديراتهم إلى تكاليف الحروب السابقة التي خاضتها إسرائيل لحساب تقديرات الحرب الراهنة، ويرجحون أن تكاليف الحرب ستبلغ 1.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويمكن أن تؤدي إلى خسائر ضخمة إذا اتسع نطاق الحرب وتسبب في إغلاق اقتصادي واسع النطاق".
تسعى وزارة المالية الإسرائيلية إلى بث روح من التفاؤل في قطاع الأعمال بأن كل شيء سيسير على ما يرام، وأن الاقتصاد الإسرائيلي قادر على مواجهة تكلفة الحرب وخسائرها، لكن بعض المراقبين يشككون في هذا التفاؤل وواقعيته. فحتى قبل الحرب كان عجز الميزانية الإسرائيلية ينمو بسرعة، ويرجع ذلك إلى زيادة الإنفاق الحكومي، وعلى الرغم من أن الديون الإسرائيلية تراجعت من نحو 71 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي 2020 إلى 61 في المائة العام الماضي وسط توقعات بأن يتراجع هذا العام إلى 58.1 في المائة، فإن الأمر سيختلف الآن تماما، فعلى إسرائيل أن تضخ مليارات عدة من الدولارات لتمويل الحرب، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال الاقتراض في وقت تشهد فيه أسعار الفائدة المحلية والدولية ارتفاعا ملحوظا، أو أن تزيد من معدلات الضرائب، وهو ما سيؤثر في كلتا الحالتين على الاقتصاد ومستويات المعيشة.
منذ عملية "طوفان الأقصى" تعرضت سوق الأسهم والسندات المحلية في إسرائيل إلى هزة شديدة، وأعلن البنك المركزي الإسرائيلي أنه سيبيع ما يصل إلى 30 مليار دولار من العملات الأجنبية لدعم الشيكل ومنع انهياره، وتعد تلك المرة الأولى التي يتبنى فيها البنك المركزي الإسرائيلي هذا الإجراء في تاريخ الحروب الإسرائيلية في قطاع غزة، وعلى الرغم من هذا الإعلان فإن العملة المحلية واصلت تراجعها بشكل ملحوظ، حيث انخفض الشيكل الإسرائيلي بنحو 3.1 في المائة ليصل إلى أدنى مستوى له في مواجهة الدولار منذ 2016.
ويعد بعض المحللين الماليين أن انخفاض مؤشرات الأسهم الرئيسة في إسرائيل بنحو 6 في المائة، وتراجع مؤشر تي أيه وأسهم البناء والتشييد والتأمين بشكل أكثر حدة، دليل على أن لهذه الحرب تأثيرا أكبر على الاقتصاد الإسرائيلي من الحروب السابقة، فالأسواق المالية في نهاية المطاف مصدر الطاقة للاقتصاد الإسرائيلي.
تأثر الأسواق الإسرائيلة لن يكون محدود
ردود فعل أسواق الأسهم الإسرائيلية في الحروب السابقة مع قطاع غزة محدودة، تستمر لمدة يوم أو يومين على الأكثر، هذه المرة الأمر يمكن أن يكون مختلفا تماما، ومن المرجح أن تجد الأسواق المحلية صعوبة في التعافي السريع، وسيكون طريق التعافي وعرا"، واستمرار الحرب يمكن أن يؤدي إلى انتعاش الإقبال على أسهم السندات الحكومية الخالية من المخاطر، وأن يزداد الإقبال على كل من أسهم شركات التصنيع العسكري والقطاعات الصناعية التي يزداد عليها الطلب نتيجة القتال مثل القطاع الصحي والدوائي، كما سيشهد الاقتصاد الإسرائيلي تنافسا واضحا بين تلك النوعية من الأسهم من جانب والدولار الأمريكي من جانب آخر باعتبارهما ملاذات آمنة.