مصر مابين شروط جديدة للمقرضين وقدرة الاقتصاد علي الخروج من الأزمة.. وتوقعات بانخفاض الدين العام
البنك المركزى لا يزال قادرًا على التعامل مع سداد الديون الخارجية فى المدى القصير
الدين العام لمصر سينخفض إلى 88% من الناتج المحلى العام المالى الحالى
قال بنك بى إن بى باريبا الفرنسى، إن احتياجات مصر للتمويل الخارجى لم تختلف عن عام 2016 لكن شروط المقرضين هى التى اختلفت خلال تلك الفترة، مضيفاً في تقرير له، أن استمرار الحاجة الكبيرة إلى التمويل الخارجى، لا سيما بسبب إهلاكات الديون الخارجية، وربط الدائنين الدوليين، سواء دول الخليج أوصندوق النقد الدولى، دعمهم بإصلاحات مؤلمة ومكلفة سياسيًا، أدى بالاقتصاد المصرى إلى طريق مسدود، كما أن إدارة مصر للحسابات الخارجية، والتى تتمثل فى شراء الوقت بفضل الدعم الخارجى بدأت تستنفذ فرصها.
وقال إن صافى المركز الخارجى للبنوك شهد تدهوراً بمعدل ينذر بالخطر، وإن القيود المفروضة على المعاملات بالعملة الأجنبية تتزايد، مع ما يترتب على ذلك من عواقب سلبية على النشاط فى بلد يعتمد بشكل كبير على الواردات، مشيراً بأن البنك المركزى المصري لا يزال قادرًا على التعامل مع سداد الديون الخارجية فى المدى القصير للغاية، ولكن أى تأجيل آخر للتوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى يقلل من هذه القدرة إلى ما هو أبعد من ذلك، وسط توقعات للبنك بتباطؤ نمو الاقتصاد المصرى إلى 3.6% خلال العام المالى الحالى على أن يرتفع إلى 5% خلال العام المالى المقبل.
ورجح أن يرتفع التضخم إلى 32.2% فى المتوسط خلال العام المالى الحالى مقابل 24% العام المالى المقبل، فيما قدر أن عجز الموازنة قد تراجع إلى 4.6% من الناتج المحلى خلال العام المالى الماضى لكنه سيتسع إلى 10.7% خلال العام المالى الحالى، ويرتفع إلى 11.1% فى العام المالى التالى، رغم أن وزارة المالية أعلنت أن النتائج الأولية للعام المالى المالى تظهر أن عجز الموازنة بلغ 6% من الناتج المحلى الإجمالى.
وتوقع البنك الفرنسى أن يرتفع عجز الحساب الجارى إلى 2.4% من الناتج المحلى خلال العام المالى الحالى مقابل 1.2% العام المالى الماضى على أن يرتفع إلى 2.6% العام المالى 2025، مشيراً بأن نسبة الدين الخارجى للناتج المحلى قد ارتفعت إلى 40% فى العام المالى الماضى، ومن المرجح أن تنخفض إلى 38% خلال العام المالى الحالى، و36% خلال العام المالى المقبل، فيما ستنخفض نسبة الدين العام للناتج المحلى إلى 88% العام المالى الحالى مقابل 93% العام المالى الماضى، على أن يتراجع أكثر إلى 84% العام المالى المقبل.
وذكر أن احتياطى مصر من العملات الأجنبية ارتفع إلى 35 مليار دولار بنهاية العام المالى الماضى ومن المتوقع أن يواصل الارتفاع إلى 39 مليار دولار العام المالى الحالى قبل أن يصل إلى 40 مليار دولار العام المالى المقبل، وأن نسبة تغطية الاحتياطى للواردات سترتفع إلى 5.9 شهر مقابل 4.3 شهر العام المالى الماضى، على أن تصل إلى 5.3 شهر العام المالى المقبل.
أخبار سيئة
وقال البنك إنه بعد تأثر الاقتصاد المصرى بأزمة ميزان المدفوعات لعدة أشهر، يشهد سلسلة من الأخبار السيئة، بينها تأجيل المراجعة الأولى لبرنامج الدعم المالى من صندوق النقد الدولى، الذى يعد حجر زاوية لتحرير تمويلات أخرى إلى أجل غير مسمى، وخفض التصنيف الائتمانى إلى أجل غير مسمى، وذلك من قبل وكالتى موديز، وستاندرد أند بورز، واحتمالات خروج الأصول المالية المصرية من بعض المؤشرات الدولية، وأخيرًا التجدد المفاجئ للتوترات السياسية فى المنطقة.
وأبرمت مصر اتفاقية مع صندوق النقد الدولى فى ديسمبر 2022 للتعامل مع عواقب الحرب فى أوكرانيا على الحسابات الخارجية المصرية، وتدفق 20 مليار دولار من رأس المال إلى الخارج فى النصف الأول من 2022، وزيادة تكلفة واردات السلع الأساسية.
ويقول البنك إن الاتفاق كان مشروطًا بسلسلة من إصلاحات الاقتصاد الكلى، وهى استمرار ضبط الأوضاع المالية، وخصخصة الأصول العامة ومرونة نظام الصرف، ويجب أن يؤدى قرض صندوق النقد الدولى البالغ 3 مليارات دولار إلى تحفيز تمويل آخر من الدائنين متعددى الأطراف وعودة المستثمرين الأجانب إلى سوق الدين بالعملة المحلية للحكومة، فضلا عن الاستثمار الأجنبى المباشر.
أضاف: “وبعد تأجيل المراجعة الأولى لصندوق النقد الدولى، من مارس إلى يونيو ثم خلال الربع الثالث من عام 2023، سيتعين الآن على استمرار برنامج الدعم الانتظار فى أحسن الأحوال للنصف الأول من عام 2024” ، ولكن كريستالينا جورجيفيا، مدير عام صندوق النقد الدولى، قالت إن الصندوق قد يجرى مراجعة مع مصر خلال الشهر الحالى أو قبل نهاية العام، وسط تصريحات برغبة بتفاوض مصر مع الصندوق لرفع قيمة قرض الصندوق من إلى 5 مليارات دولار بدلًا من 3 مليارات.
تخفيض الجنيه يواجه نقص العملة
وقال التقرير إن سعر صرف الجنيه ليس مرنًا ويحاول البنك المركزى الحفاظ على مستوى من احتياطيات النقد الأجنبى بما يتماشى مع المعايير الاحترازية لصندوق النقد الدولى، بأن تكفى احتياطيات العملات الأجنبية أكثر من 3 أشهر من واردات السلع والخدمات، مشيراً إلى أن مصر تعتمد بشكل كبير على الواردات خاصة المواد الغذائية، وتضاعف دينها الخارجى منذ عام 2016.
أوضح أنه بناء على هذه الخلفية، ينعكس نقص العملة فى القيود المتعددة، وتطور سوق الصرف الموازية، وتدهور صافى المركز الخارجى للنظام المصرفى، وكملاذ أخير، انخفاض حاد فى سعر الصرف، فيما قد انخفضت قيمة الجنيه المصرى بأكثر من 50% منذ بداية عام 2022، بينما وصل سعر الصرف فى السوق الخارجية لمدة عام الآن إلى أكثر من 50 جنيهًا للدولار الواحد فى بعض العقود، وهو ما يمثل فجوة تزيد على 50% مقارنة بالسعر الرسمى.
وقال إن احتياطيات النقد الأجنبى الرسمية للبنك المركزى مستقرة نسبيًا عند 33 مليار دولار أو 4.6 شهرًا من واردات السلع والخدمات فى أغسطس 2023، ويمكن إضافة احتياطيات المستوى الثانى، المخصصة مسبقًا للتعامل مع تدفقات رأس المال المتقلبة إلى الخارج، والبالغة 9.9 مليار دولار إلى هذا المبلغ.
ومع ذلك، نوه إلى أن الحفاظ على مستوى مقبول من احتياطيات البنك المركزى جاء على حساب التدهور المنتظم فى الوضع الخارجى للبنوك التجارية.
وقال إن البنوك توفر العملات الأجنبية التى لا يمكنها الحصول عليها من البنك المركزى من قبل الدائنين الدوليين فى شكل إصدارات سندات بالعملة الأجنبية وقروض مصرفية.
وبلغ صافى الدين الخارجى فى النظام المصرفى نحو 15.2 مليار دولار فى أغسطس ما يعادل 4.1% من الناتج المحلى الإجمالى، بانخفاض طفيف مقارنة بشهر يونيو حينما بلغ 17.2 مليار دولار، لكنه لا يزال عند مستوى مرتفع تاريخيًا.
وذكر أنه وفقاً للتقديرات المحلية، بلغ حجم الأعمال المتراكمة المرتبطة بواردات السلع حوالى من 6 إلى 9 مليارات دولار.
لكن الفترة الأخيرة شهدت تسريعا فى الإفراجات الجمركية، إذ تم الإفراج عن بضائع بقيمة 9 مليارات دولار فى 45 يوما بداية من سبتمبر وحتى منتصف أكتوبر.
وقدرت مصلحة الجمارك البضائع المتراكمة بنحو 4.8 مليار دولار حتى نهاية سبتمبر. وقال البنك إن القيود التى تؤثر على الواردات بدرجات متفاوتة حسب أولويتها، تعيق النشاط الاقتصادى المصرى.
أضاف أن المؤشر الأكثر خطورة فى الوقت الحالى هو قيام توسيع البنك المركزى نطاق حظر استخدام الصرف الأجنبى على حاملى بطاقة الدفع المرتبطة بحساب بالجنيه المصرى ووضع سقف لبطاقات الائتمان.
وبرر البنك المركزى قرار وضع قيود على استخدام بطاقات الدفع باستغلال المضاربين لها ورصد إساءة استخدامها.
فجوة التمويل الخارجي أزمة!!
وقدر البنك أن احتياجات التمويل الخارجى لمصرى لتمويل عجز الحساب الجارى وسداد الديون ما بين 22 و30 مليار دولارسنويًا للسنتين الماليتين 2024 و2025.
ووفقًا لتقديرات البنك المركزى، فإن مصر عليها سداد 7.6 مليار دولار للدائنين متعددى الأطراف وسندات اليوروبوند فى النصف الأول من عام 2024، فى حين من المتوقع سداد أكثر من 8 مليارات دولار من الديون الخارجية قصيرة الأجل فى الربع الأول.
وأشار إلى أنه مع المديونية الكبيرة مستحقة السداد بداية من العام المقبل فإن أى تأجيل للدعم المالى الخارجى يزيد من التوترات على السيولة بالعملة الأجنبية تبعاً لذلك، رغم أن احتياطيات البنك المركزى من النقد الأجنبى كافية للتعامل مع استحقاقات الديون قصيرة الأجل.
وتوقع حدوث المزيد من التدهور فى الوضع الخارجى للنظام المصرفى واتساع الفجوة بين أسعار الصرف الرسمية والخارجية فى الأشهر المقبلة.
وقال إن التخطيط للانتخابات الرئاسية فى ديسمبر 2023 يجعل تعديل سعر الصرف قبل نهاية عام 2023 أمراً غير مرجح.
وأشار إلى أن القدرة على الوصول إلى التمويل الخارجى الخاص، تدهورت خاصة فى أعقاب خفض التصنيف الائتمانى للبلاد، الأمر الذى أدى تلقائياً إلى خفض تصنيف البنوك التجارية الرئيسية فى البلاد، نظراً للصلة بين القطاع المصرفى والحكومة.
أوضح أن البنوك العامة تمتلك ما يقرب من نصف إجمالى الأصول المصرفية، ويشكل الدين الحكومى حوالى 50% من إجمالى أصول جميع البنوك التجارية العامة والخاصة.
وقال إن ذلك بخلاف أن وصول الحكومة لأسواق رأس المال الدولى شبه مستحيل لعدة أشهر فى ظل مستوى علاوات المخاطر الأكثر من 1500 نقطة أساس، باستثناء الإصدارات ذات المبلغ المنخفض التى لا تزيد عن بضع مئات من ملايين الدولارات، والمقومة بالعملات الآسيوية.
وقال البنك إن التطورات الإيجابية التى لوحظت فى الأشهر الأخيرة فيما يخص الحساب الجارى، ليست كافية لتخفيف القيود التى تؤثر على سيولة العملات الأجنبية.
أضاف أنه فى الواقع، يرجع التحسن إلى حد كبير إلى القيود التى تؤثر على المعاملات بالعملة الأجنبية، وأن الفائض الذى سجله الحساب الجارى فى الربع الأخير من السنة المالية عند 600 مليون دولار يرجع لانخفاض الواردات 24% على أساس سنوى فى ظل نقص العملات الأجنبية المتاحة.
وأشار إلى بعض البنود الإيجابية مثل ارتفاع إيرادات السياحة خلال الربع الرابع منفردًا 30% على أساس سنوى، وزيادة إيرادات قناة السويس 33%، لكن تحويلات المصريين بالخارج انخفضت 38% على أساس سنوى فى النصف الأول من 2023 فى ظل استخدام قنوات غير رسمية.
وقال إن مصر لم تُصدر أى شحنات من الغاز الطبيعى خلال أشهر الصيف الثلاثة بسبب ذروة الاستهلاك الموسمى وانخفاض إنتاج الغاز المحلى، رغم الزيادة الحادة فى استيراد الغاز الإسرائيلى إذ نمت الواردات 50% خلال أول 7 أشهر من العام الحالى.
وأضاف أن تراجع واردات الغاز الإسرائيلية 20% لأسباب أمنية، يؤدى إلى تقليص آفاق تصدير الغاز الطبيعى المسال فى مصر لفترة غير محددة.
أضاف أنه بافتراض عودة الفائض القابل للتصدير من الغاز الطبيعى المسال فى الأشهر المقبلة، فمن المحتمل ألا تكون الأسعار فى السوق الأوروبية مرتفعة هذا الشتاء كما كانت فى عام 2022 بسبب مستوى المخزونات الأوروبية وارتفاع الواردات من الولايات المتحدة.
طريق صغير للخروج من الأزمة
وقال البنك إن عمليات الخصخصة التى تم تنفيذها بالفعل والجارى تنفيذها تتماشى نسبيًا مع متطلبات صندوق النقد الدولى، إذ تم بيع أصول بنحو مليارى دولار خلال السنة المالية 2023، فى حين أن حوالى 6 مليارات دولار مقررة لهذه السنة المالية.
وذكر أن مرونة سعر الصرف أكثر صعوبة، خاصة بسبب عواقبها على التضخم، وهى مشكلة متوطنة فى الاقتصاد المصرى، إذ وصل ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية إلى مستوى قياسى فى سبتمبر الماضى عند أكثر من 38% على أساس سنوي)، فى حين وصل التضخم الأساسى إلى 40%.
وأشار إلى أن الضعف الهيكلى للحسابات الخارجية المصرية والحاجة إلى طلب الدعم الخارجى بانتظام ليس بالأمر الجديد، لكن الوضع الحالى يختلف عن أزمة عام 2016 من خلال موقف الدائنين الدوليين الذى أصبح أكثر مشروطية.
وقال إنه من المؤكد أن شروط صندوق النقد الدولى فيما يتصل بإصلاحات الاقتصاد الكلى أقوى، وخاصة فيما يتعلق بأداء سوق الصرف الأجنبى.
ومن جانبها، غيرت دول الخليج طبيعة دعمها، وبينما واصلت صناديق الثروة السيادية تقديم الودائع الحكومية لدى البنك المركزى المصرى فى عام 2022، فإنها تتطلع إلى تحسين استثماراتها. وبالتالى يمكن رؤية الدعم فى شكل استثمارات فى أسهم الشركات المدرجة وفى عمليات الخصخصة، ولكن بالسعر الذى يناسبها، ولا سيما مع مراعاة مخاطر العملة.
وقال إنه إذا تم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولى فى بداية عام 2024، فإن مصر ستكون قادرة على تجنب أزمة ميزان المدفوعات على المدى القصير، ومع ذلك، على المدى المتوسط، سوف تستمر هشاشة ميزان المدفوعات.
وقال إن ديون مصر الخارجية ستشهد زيادة مرة أخرى، ولو بشروط ميسرة، ومن ناحية أخرى، تظل مشكلة القدرة التنافسية الاقتصادية للبلاد دون حل، إذ لا تزال صادرات السلع غير المرتبطة بالهيدروكربونات تتركز فى القطاعات ذات القيمة المضافة المنخفضة، كما أن الاستثمار الأجنبى المباشر خارج قطاع الهيدروكربونات منخفض.