الإثنين 16 سبتمبر 2024 الموافق 13 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
عربى ودولى

محلل أمريكي: العالم هدم جدار برلين ليعيش وراء 74 جدارا

الأربعاء 01/نوفمبر/2023 - 12:47 م
جدار برلين
جدار برلين

تحول سقوط جدار برلين في نوفمبر 1989 مع نهايات الحرب الباردة إلى واحد من أكبر الخدع في التاريخ. فقد كان الشائع في حينه أن عالم ما بعد انهيار الجدار سيكون أكثر انفتاحا، ولكن ما حدث هو أن عالم ما بعد الحرب الباردة أصبح أسيرا لعشرات الجدران والأسوار. وأحدث مثال على ذلك السياج الحدودي بين إسرائيل وقطاع غزة والذي شهد هجوما فلسطينيا مسلحا ضخما يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي وأسفر عن سقوط أكبر عدد من القتلى في صفوف الإسرائيليين منذ المحرقة على حد قول الكاتب الأمريكي أدريان وولدريدج في التحليل الذي نشرته وكالة بلومبرج للأنباء.

 

وقد يكون لهتاف "اهدموا هذا الجدار" صداه الجذاب في مكان وزمان معينين. لكن الأشد إثارة حاليا هو أن أقوى أنصار العولمة هم الذين يقولون اليوم "أقيموا هذا الجدار واجعلوه منيعا" باعتباره قد يكون طريقا جيدا للمستقبل.

 

وبحسب إليزابيث فاليت الأستاذة في جامعة كيبك الكندية فإن العالم اليوم يضم حوالي 74 جدارا حدوديا بين الدول، وهو ما يعادل 6 أمثال عدد الجدران الحدودية التي كانت موجودة أثناء الحرب الباردة. ويبلغ إجمالي أطوال هذه الجدران أكثر من 20 ألف ميلا. ويعتبر الجدار الحدودي بين المملكة العربية السعودية والعراق بطول 560 ميلا من أشد هذه الجدران تعقيدا. وهناك أيضا الجدار العالمي الممتد بطول 2000 ميل بين الهند وباكستان، والذي يتكون من سلسلة مزدوجة من الأسلاك الشائكة ومدعوم بخندق طوله 400 ميل وعرضه 14 قدما وعمقه 11 قدما ومزود بألف حصن ونقطة حدودية. وعلى عكس سور الصين العظيم، فإنه يمكن رؤية سور باكستان العظيم من الفضاء بفضل الأضواء الكاشفة الدائمة على امتداد السور. ومقارنة بهذين العملاقين، فإن "الجدار الحديدي" الإسرائيلي مع غزة يبدو أقصر وأقل تعقيدا.

 

وفي كتابه الجديد "عصر الحراسة: الحصون في القرن الحادي والعشرين"  أشار البروفيسور ديفيد بيتس الأستاذ في جامعة كينجز كوليدج البريطانية إلى أن هذه الجدران مجرد جزء من عملية ناشئة لبناء الحصون والحواجز في مختلف أنحاء الكوكب.  وبعض هذه الجدران يأتي من عالم الخيال العلمي مثل القبة الحديدية الإسرائيلية باعتباره حائط افتراضي  للدفاع الجوي في السماء يتكون من سلسلة من أجهزة الرادار والصواريخ الاعتراضية، وبعض هذه الجدران يعود إلى العصور الوسطى.  

 

وفي حين حظيت بعض التحصينات بتغطية إعلامية صاخبة، مثل جدار الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب المثير للجدل على الحدود مع المكسيك، تم بناء بعضها خلسة، كما حدث عندما أقامت تركيا جدارا خرسانيا بطول 475 ميلاً على طول حدودها مع سوريا، وقام الرئيس الصيني شي جين بينج ببناء "سور الصين العظيم الجنوبي" وهو جديد كجزء من استراتيجية "التخفيف من آثار فيروس كورونا" كما أن  بعض التحصينات مرئية بشكل متعمد، كتلك  الأسلاك الشائكة التي تحيط بالعديد من المباني العامة  أو المنازل الخاصة في بلدان مثل جنوب أفريقيا، والكثير منها أقل وضوحا، حيث تمتلأ المدن الكبرى بالحواجز الخرسانية  والحواجز القوية للتخفيف من تأثيرات اصطدام السيارات.

 

وإذا كانت بعض الحواجز في العالم تقام لأسباب تتجاوز مواجهة العدائيات القومية، فهناك ثلاث عناصر أخرى تؤثر عليها. إذ يستهدف تحصين الحدود منع تسلل المهاجرين غير الشرعيين أو الأجانب المعادين. وفي حين أن ترامب كان يتباهي بحبه للجدران، فإن الكثيرين من أكثر بناة الجدران نجاحا كانوا يتحدثون عن العكس، كما هو الحال مع الرئيس الأمريكي الحالي جو بايدن الذي يبني جدارا في وادي ريو جراند، رغم إعلانه العداء والرفض لجدار  ترامب على حدود المكسيك.

 

في الوقت نفسه فإن تزايد خطر التهديدات الإرهابية دفع بالتحصينات إلى قلب المدن الكبرى، لكن مع الحرص على ألا تكون هذه التحصينات مرئية بالدرجة التي تجعلها مزعجة وتظهر المدن  وكأنها مناطق حرب، لكنها كافية للتعامل مع احتمال أن تكون أي سيارة أو حقيبة ظهر سلاحا في يد الإرهابيين. كما أن الخوف من الفوضى يعتبر أحد أسباب انتشار حمى الجدران والتحصينات.

 

ويقول وولدريدج مؤلف كتاب "أرستقراطية الموهبة: كيف صنعت الجدران العالم الجديد" إن الحجة المثالية تقول إن الكثيرين من المتحمسين في معارضة الجدران من الناحية النظرية، انتهى بهم المطاف ببناء المزيد منها في الواقع. فالأوربيون  يقيمون الجدران حول حدودهم لوقف تدفق المهاجرين، وبخاصة منذ الزيادة الكبيرة في أعداد هؤلاء المهاجرين في 2016، وكذلك بابا الفاتيكان الذي يعيش في مدينة الفاتيكان المسورة بما سماه ترامب "أكبر جدار على الإطلاق". علاوة على ذلك لا يوجد تعارض بين بناء الجدران وإقامة الجسور.

 

في المقابل فإن الحجة الواقعية أكثر جدية. ويشير الواقعيون إلى أنه لا يجب الاعتماد المطلق على الجدار. فعليكم أن تربطوا الجدران باستراتيجيات أخرى، من الدبلوماسية إلى الضربات الوقائية. لكن منطق الموقف الواقعي  يمكن أن يشير بنفس القدر من الأهمية إلى ضرورة بناء الجدران بشكل جيد مع ضرورة تزويدها بالموظفين الأكفاء، حيث أظهر فشلت الاستراتيجية التي اعتمدت على الأجهزة الإلكترونية بدلا من العنصر البشري في مراقبة السياج العازل مع غزة مما أدى إلى نجاح الهجمات الفلسطينية يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.

 

 

أخيرا يمكن القول إن حلم وجود عالم بلا حواجز أمر مستحيل. وكلما تطورت وسائل النقل والاتصالات زادت الحاجة إلى تطوير ضمانات لمنع الناس من إساءة استخدام وسائل التنقل. ولم يعد التحدي الأكبر في وقتنا الراهن هو التخلص من الجدران، وإنما تحقيق أفضل مزيج بين الجدران والجسور، حتى تتحقق أفضل صورة للعولمة مع الحد من آثارها الجانبية.