بي بي سي تكشف استمرار استهداف إسرائيل لأماكن نصحت المدنيين باللجوء إليها
تكرر إسرائيل يوميا توجيهاتها للمدنيين في شمال غزة لمغادرة بيوتهم والتوجه للجنوب "حرصاً على سلامتهم وسلامة ذويهم على الرغم من ذلك استمر القصف الإسرائيلي على مناطق مختلفة في الجنوب مما جعل المنظمات الأممية ومنظمات الإغاثة تحذر من أنه لا مكان في غزة آمناً للمدنيين.
فريق بي بي سي للتحقق قام بالتدقيق في المزيد من المناطق التي تم قصفها، والتحذيرات الصادرة وتوجيهات الإخلاء من قبل الجيش الإسرائيلي لسكان غزة للتوجه نحو مناطق معينة جنوب القطاع.
بعض توجيهات الجيش الإسرائيلي كانت مصحوبة بخرائط وفيديوهات توضيحية تشير لمناطق غير محددة بشكل واضح، واكتشفنا أن القصف الإسرائيلي طال أغلب هذه المناطق أو مناطق بالقرب منها بعد أيام من إصدار التوجيهات.
من جهته، قال الجيش الإسرائيلي إنه يحذر السكان في غزة عبر عدة وسائل، منها إسقاط المنشورات على الأحياء بالإضافة إلى الاستعانة بالمؤسسات الدولية.
في هذا التحقيق استعنا بالتحذيرات والتوجيهات المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي.
جدير بالذكر أن شبكات الاتصالات والإنترنت في وضع متدهور في قطاع غزة، مما يصعب وصول التحذيرات للمدنيين ويعقد الأزمة.
ينشر الجيش الإسرائيلي تحذيراته للمدنيين في غزة عبر حساب أفيخاي أدرعي المتحدث الرسمي باسمه على موقع إكس.
وفي ظل تدهور خدمات الاتصالات والإنترنت يقوم الجيش الإسرائيلي بإلقاء منشورات ورقية بواسطة طائرات على الأحياء.
أغلب المناطق التي وجه الجيش الإسرائيلي المدنيين إليها "حرصاً على سلامتهم" لم تكن محددة بشكل واضح.
في صباح يوم الثامن من أكتوبر نشر أفيخاي أدرعي تحذيرا على موقع إكس لسكان منطقتي عبسان الكبيرة وعبسان الصغيرة، جنوب شرق خان يونس، بالتوجه لوسط مركز مدينة خان يونس. حدد المنشور المصحوب بخريطة وفيديو توضيحي مركز خان يونس ليتوجه إليه سكان هاتين المنطقتين.
بعد يومين من التحذير، وفي العاشر من أكتوبر، قصفت القوات الإسرائيلية مركز مدينة خان يونس.
قمنا بتحليل الصور والفيديوهات التي نشرت لهذا الموقع بعد القصف ويظهر أحدها تفجيرا لمركز مدينة خان يونس، وبالتحقق منه بواسطة برامج تحليل الفيديو يظهر أنه تم نشره للمرة الأولى في 13 أكتوبر، تحديدا الساعة 10:37 بتوقيت غرينتش، وتظهر في الفيديو منارة المسجد الكبير بخان يونس، الذي يبعد عن مركز المدينة خمس دقائق مشياً على الأقدام.
وباستخدام لافتة باسم صيدلية تظهر في الفيديو تمكنا من التحقق من نفس الهجوم، واستخدمنا أيضاً البحث العكسي عن الصور للتأكد من أن الصور حديثة.
قامت بي بي سي بتحليل جميع المنشورات التحذيرية الصادرة عن الجيش الإسرائيلي على وسائل التواصل الاجتماعي باللغة العربية والتي توصلنا إليها في تلك الفترة الزمنية. لا يمكن استبعاد احتمال صدور تعليمات لاحقة، لكن بي بي سي لم تجد أي دليل على ذلك.
خان يونس – 19 أكتوبر
في تحذير آخر من قبل المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي نُشر يومي 16 و17 أكتوبر تم توجيه سكان مدينة غزة وشمال القطاع للتوجه جنوبا إلى خان يونس "حرصا على سلامتهم وسلامة أحبابهم".
بالتحقق من المباني والمحال التجارية وشكل الأسطح - تمكنّا من التأكد من وقوع غارة جوية أخرى على شارع جمال عبد الناصر في خان يونس وقعت في 19 أكتوبر، أي بعد ثلاثة أيام من التحذير المنشور.
وتظهر بعض اللقطات جثث القتلى والجرحى الذين تم انتشالهم من تحت الأنقاض ونقلهم إلى أقرب مستشفى، وهو مستشفى الناصر.
منطقة رفح – 11 أكتوبر
سكان منطقة رفح، وتحديدا سكان أحياء السلام والجنينة والإداري، تلقوا تحذيرا يوم الثامن من أكتوبر بمغادرة منازلهم في الحال والتوجه لمركز مدينة رفح. المنشور تضمن خريطة تحدد مسار التوجه.
في أحد الفيديوهات التي نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي بعد ثلاثة أيام، والذي تحققت منه بي بي سي، شاهدنا تفجيرا وقع في مركز مدينة رفح بميدان النجمة، وبالتحقق من توقيت نشره بواسطة برامج تحليل الفيديو يظهر أنه تم نشره يوم الأربعاء 11 أكتوبر الساعة 13:34:28 بتوقيت غرينتش.
بمقارنة صور ميدان النجمة في فيديو القصف وصوره قبل القصف تمكنا من تأكيد موقع القصف.
في اليوم الثامن من أكتوبر تم توجيه سكان شرق وجنوب منطقة المغازي إلى المآوي في مخيمات المركز.
بالبحث عن أماكن مخيمات المركز ومقارنة مواقعهم بالموقع في الخريطة التي نشرها الجيش الإسرائيلي لم نجد في المكان المحدد في الخريطة أي مخيم. قررنا البحث عن مواقع المخيمات القريبة من هذه النقطة ووجدنا ثلاثة مخيمات على أبعاد مختلفة من مركز المدينة وهي مخيم النصيرات ومخيم البريج ومخيم دير البلح.
بالتحقق من مواقع القصف الذي وقع في وقت لاحق لهذه التحذيرات، وجدنا أن مخيمين على الأقل من الثلاثة تم قصفهما على فترات مختلفة بعد نشر التحذيرات.
تحققنا من فيديو نُشر على وسائل التواصل الاجتماعي ويُظهر قصفاً وقع على مخيم النصيرات في 18 أكتوبر. تمكنا من تأكيد موقع القصف من خلال أسماء المحال التجارية الظاهرة في الفيديو والتي تماثل صورا لها نشرت قبل القصف.
تحققنا أيضا من مقاطع فيديو أخرى أظهرت قصف مخيم النصيرات عدة مرات على مدار عدة أيام في 18 و19 و22 أكتوبر، جميعها في وقت لاحق للتحذير، وآخرها يوم 25 من أكتوبر في غارة على منزل أسفر عن مقتل أسرة مراسل الجزيرة في غزة وائل الدحدوح بمن فيهم زوجته وابنه وابنته. نزح أفراد عائلته إلى مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، أي بالمركز، بعد توجيه الجيش الإسرائيلي لسكان شمال القطاع بالنزوح جنوبا لتجنب القصف في الثالث عشر من أكتوبر، حيث اعتقدوا أنه مكان آمن لهم للإقامة فيه بحسب بيان قناة الجزيرة.
تحققنا أيضا من مقاطع فيديو أظهرت قصفا على مخيم البريج الذي يقع جنوب وادي غزة في وقت لاحق للتحذير في 17 أكتوبر 2023 .
أرسلت بي بي سي مواقع وتواريخ محددة للجيش الإسرائيلي عن كل حالة من الحالات التي تم تسليط الضوء عليها في المقال، وسألنا إذا كانت هذه المواقع قد تعرضت للقصف من قبل قوات الجيش الإسرائيلي وما إذا كانت التحذيرات قد صدرت قبل هذه الهجمات.
قال الجيش الإسرائيلي في رده إنه "لا يستطيع تقديم أي معلومات إضافية بخصوص هذه المواقع المحددة".
وأضافوا بأنهم "دعوا المدنيين في غزة إلى التحرك جنوبًا حفاظًا على سلامتهم، لكنهم سيواصلون ضرب الأهداف الإرهابية في جميع أنحاء غزة" .
وردًا على سؤالنا حول إصدار تحذيرات قبل الهجمات، قال الجيش الإسرائيلي: "بموجب القانون الدولي، يتخذ الجيش الإسرائيلي إجراءات احترازية لتجنب إلحاق الضرر بالسكان المدنيين"، مضيفا أن "هذه الإجراءات تشمل إصدار تحذيرات قبل الضربات في الحالات التي يمكن فيها القيام بذلك، خلال الضربات ضد منظمة حماس الإرهابية".
يتم نشر التحذيرات باللغة العربية من خلال وسائل الإعلام المختلفة بما في ذلك شبكات التواصل الاجتماعي والمنظمات الأهلية والدولية.
قامت بي بي سي بفحص الاتصالات الصادرة عن المتحدث الرسمي باللغة العربية للجيش الإسرائيلي على منصة إكس ولم تجد أي تحذيرات تم إرسالها مباشرة قبل الضربات المشار إليها في هذه المقالة.
أين نذهب وكيف نعيش؟
الآلاف من المدنيين يتساءلون أين يمكن أن يكونوا آمنين. بي بي سي تحدثت لبعض ممن تركوا منازلهم وفروا من شمال غزة إلى جنوبها للحفاظ على سلامتهم.
بي بي سي تحدثت مع بعض أولئك الذين نزحوا من الشمال بحثا عن الأمان في الجنوب واستقروا حاليا في مخيم تابع للأونروا بخان يونس، على مقربة من مواقع تم قصفها مؤخرا.
يقول أحمد الذي كان يسكن في حي الشيخ رضوان شمال غزة إن الساحة السكنية بأكملها في حيه قد دمرت، وأخبرنا عن رحلة نزوحه: "تعرضنا للقصف من قبل جيش الاحتلال دون سابق إنذار بينما كنا نائمين، واستيقظنا على أصوات الدمار، حيث وجد العشرات من القتلى والجرحى في الغارة".
يعيش أحمد الآن في خيمة صغيرة مع 22 شخصًا بينهم طفل يبلغ من العمر عشرين يوماً فقط.
ووصفت سيدة مسنة يأسها بينما تقوم بإعداد الخبز "بدأنا نركض من هنا إلى هناك... لمدة أسبوع كامل نهرب من منطقة إلى أخرى حتى وصلنا هنا (تقصد خان يونس)". والآن تسأل: "ماذا علي أن أفعل الآن؟ الكل مشرد، أطفالنا مشردون".
في الأمثلة التي ذكرناها وغيرها يظهر أن مواقع القصف الذي استهدف غزة شملت في بعض الأحيان المناطق التي وجه الجيش الإسرائيلي المدنيين إليها أو لمناطق مجاورة في توقيتات لاحقة للتوجيهات.
في بعض الأحداث التي رصدناها قد يكون الفارق الزمني بين التوجيهات والقصف يصل لأسبوع، ولكن هؤلاء النازحين من مناطق تم قصفها بالفعل لا يمكنهم العودة لمنازلهم، وبالتالي لا يوجد مكان للنزوح إليه عند قصف المناطق التي توجهوا إليها "حفاظا على سلامتهم" بناءً على طلب القوات الإسرائيلية، إلا في حال تعيين مناطق بديلة يمكنهم التوجه إليها - وهو ما لم نلاحظه.