الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
تحقيقات وتقارير

أبرز الأدلة المقدمة من جنوب أفريقيا لـ”العدل الدولية”: توافر نية القتل الجماعي في تصريحات المسؤولين الإسرائيليين.. والاستناد إلي منظمات ودول وعلماء صنفوا حرب غزة بأنها "إبادة جماعية"

الإثنين 08/يناير/2024 - 09:32 ص
شهداء غزة
شهداء غزة

دخلت جنوب أفريقيا في معركة قانونية كبرى مع إسرائيل بعد أن تقدمت بعريضة دعوى قضائية إلى محكمة العدل الدولية، دعت فيها المحكمة إلى التحقيق فيما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية بحق الفلسطينيين في هجومها المتواصل على قطاع غزة.

 

وتعدُّ العريضة، المكونة من 84 صفحة، أبرز دعوة علنية حتى الآن لوصف تصرفات إسرائيل في غزة بأنها إبادة جماعية، ويأتي ذلك في وقت يقارب فيه عدد الشهداء الفلسطينيين في غزة  إلي 23 ألف شخص، معظمهم من النساء والأطفال، حسبما ورد في تقرير لموقعMiddle East Eye  البريطاني.

 

وتقول عريضة الدعوى إن تصرفات إسرائيل "تحمل طابع الإبادة الجماعية؛ لأنها تنطوي على نية إبادة جزءٍ كبير من الجماعة القومية والعنصرية والإثنية الفلسطينية".

 

ووصفت صحيفة  The Guardian  البريطانية الادعاء المقدم في العريضة بأنه،موضوعي  ومبني على حجج قوية ومليء بإشارات مفصلة إلى كبار مسؤولي الأمم المتحدة وتقاريرها، والذي نادراً ما يحيد عن هدفه الأساسي الضروري المتمثل في السعي لإثبات نية إسرائيل للإبادة الجماعية. والمحامون الذين ترسلهم جنوب أفريقيا إلى لاهاي هم أفضل المحامين لديها. الكثير من حجج  جنوب أفريقيا مستمدة من حكم محكمة العدل الدولية بشأن التدابير المؤقتة التي أصدرتها في قضية جامبيا ضد ميانمار في عام 2020. 

 

إسرائيل تحاول اللجوء لخطة مضادة

وردَّت إسرائيل الدعوى ووصفتها بأنها "اتهام بفريةِ الدم"، زاعمةً أن اتهامها في القضية هو من قبيل الأكاذيب المعادية للسامية التي نشأت في العصور الوسطى، والتي كان يُتهم اليهود فيها باختطاف الأطفال المسيحيين وقتلهم؛ لاستخدام دمائهم في طقوس دينية يهودية.

 

وقد عمد موقع Middle East Eye البريطاني إلى تحليل العناصر الرئيسية في عريضة الدعوى، وتناول تأثيرها المحتمل في قرار المحكمة الدولية.

 

لماذا رفعت جنوب أفريقيا من بين كل دول العالم هذه الدعوى؟

أيَّدت جنوب أفريقيا القضية الفلسطينية طيلة عقود، ودعمت مساعي الفلسطينيين لإقامة دولتهم في المحافل المحلية والدولية، وعلى رأسها الأمم المتحدة. ولطالما شبَّهت جنوب أفريقيا الاضطهاد الذي يتعرض له الفلسطينيون تحت الاحتلال الإسرائيلي بما تعرض له مواطنوها السود خلال حقبة الفصل العنصري، وأعلنت توافقها مع ما ذهبت إليه منظمات حقوقية دولية بارزة في وصف معاملة إسرائيل للفلسطينيين بأنها تمييز عنصري.

 

وقد تناولت جنوب أفريقيا، في عريضتها المقدمة إلى محكمة العدل الدولية، بعض وقائع هذه المعاملة التي كان الفلسطينيون يلقونها من الإسرائيليين قبل الحرب، وعدَّتها مستنداً أولياً على ما تصفه بالإبادة الجماعية المستمرة للفلسطينيين.

 

وقالت جنوب أفريقيا في العريضة: يسبق هذه الحرب "تاريخ من الفصل العنصري والتهجير والتطهير العرقي والضم والاحتلال والتمييز والحرمان المستمر للشعب الفلسطيني من حقه في تقرير المصير، وقد تقاعست إسرائيل، منذ 7 أكتوبر 2023 خصوصاً، عن منع الإبادة الجماعية" المرتكبة بحق الفلسطينيين.

 

وأشارت جنوب أفريقيا في عريضتها إلى أنها خاطبت إسرائيل أكثر من مرة بشأن مخاوفها من العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، ولم تتلقَّ أي رد. وأوضحت أنها أرسلت مذكرة شفوية -مذكرة دبلوماسية رسمية غير موقعة- إلى السفارة الإسرائيلية استدعت فيها المخاوف من أن أفعال إسرائيل توشك على بلوغ عتبة الإبادة الجماعية، إلا أن إسرائيل لم ترد رداً عاجلاً على المذكرة.

 

وبناء على ذلك، قرَّرت جنوب أفريقيا في نهاية المطاف أن تتقدم بهذا الطلب، لحثِّ المحكمة الدولية على الاستماع إلى ادعائها بارتكاب إسرائيل الإبادة الجماعية، وإجبار إسرائيل على الرد على هذا الادعاء.

 

ما هي اتفاقية منع الإبادة الجماعية؟ وهل إسرائيل موقعة عليها؟

يقرُّ القانون الدولي تعريف "الإبادة الجماعية" المنصوص عليه في المادة الثانية من اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بمنع الإبادة الجماعية، ونظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية. وتلقَّت هذا التعريف بالقبول أكثر من 130 دولة، منها الولايات المتحدة وألمانيا وفرنسا وبريطانيا.

 

وينص التعريف على أن الإبادة الجماعية هي الأفعال "المرتكبة بقصدِ الإبادة لجماعةٍ قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، إبادةً كلية أو جزئية".

 

إسرائيل وجنوب أفريقيا من الدول الموقعة على اتفاقية منع الإبادة الجماعية، ما يعني أن الدولتين ملزمتان "باتخاذ التدابير اللازمة لمنع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، ويشمل ذلك سن التشريعات اللازمة ومعاقبة المدانين بارتكاب الجريمة.

 

أُضفي الطابع الرسمي على الاتفاقية في 9 ديسمبر 1948 على أثر الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية، وخاصة المحرقة التي قُتل فيها 6 ملايين يهودي.

 

إليك الفظائع التي ارتكبت بحق الفلسطينيين وصنفتها الدعوى كإبادة جماعية 

تعرض جنوب أفريقيا في طلبها عديداً من الأفعال التي ارتكبتها إسرائيل منذ 7 أكتوبر، والتي تقول إنها "تنطوي على طابع الإبادة الجماعية".

 

أما الفعل الأول، فهو أن إسرائيل قتلت حتى الآن أكثر من 22 ألف فلسطيني في غزة، غالبيتهم من النساء والأطفال، وأحدثت إصابات بأكثر من 58 ألف فلسطيني في القطاع، ومن ثم تقول جنوب أفريقيا إن ذلك ينطبق على التعريف الوارد في اتفاقية الإبادة الجماعية وهو "التسبب في أذى جسدي" لجماعة من الناس.

 

وسلطت جنوب أفريقيا في عريضتها الضوءَ على استهداف إسرائيل للمستشفيات بالقصف الجوي والحصار، وقالت إن ذلك أدى إلى زيادة الشهداء من الفلسطينيين، إذ "لم يعد هناك مستشفيات عاملة في شمال غزة خصوصاً، حتى إن المصابين صاروا (ينتظرون الموت)، ولم يعد لهم سبيل إلى طلب الجراحة أو العلاج الطبي المتجاوز للإسعافات الأولية، وهم يموتون موتاً بطيئاً، ومن فرط الألم الناشئ عن إصاباتهم أو بسبب التهابات العدوى الناجمة عنها".

 

وفي سياق الحديث عن أفعال "الإبادة الجماعية" التي ارتكبتها إسرائيل، ذكرت جنوب أفريقيا كذلك: التهجير القسري الجماعي وقصف المناطق السكنية؛ وحرمان الفلسطينيين الإمدادات الكافية من الغذاء والماء؛ وتدمير سبل معيشة الشعب الفلسطيني في غزة؛ وفرض إجراءات ترمي إلى الحدِّ من الإنجاب بين الفلسطينيات.

 

واتهمت العريضة إسرائيل بـ"استهداف البنية التحتية وأسس معيشة الفلسطينيين في جميع أنحاء غزة، والعمل متعمدةً على إنشاء ظروف تُلحق التدمير الجسدي بالشعب الفلسطيني"، علاوة على شنِّ "الهجمات على المنازل والأحياء والمستشفيات وشبكات المياه والأراضي الزراعية والمخابز والمطاحن، واستهداف النظام المدني الأساسي في غزة".

 

توافر نية الإبادة الجماعية تفضحه تصريحات المسؤولين الإسرائيليين

غالباً ما يصعب إثبات الاتهام بالإبادة الجماعية، لأن التعريف الوارد في الاتفاقية يشترط استدعاء مرتكب الجريمة لنيةِ الإبادة الجماعية. وقد زعم الجيش الإسرائيلي مراراً طوال عمليته العسكرية بأنه لا ينوي قتل المدنيين الفلسطينيين، وإنما يستهدف حماس فقط.

 

إلا أن عريضة جنوب أفريقيا أوردت تصريحات عديدة لمسؤولين إسرائيليين بارزين تبرهن على أن إسرائيل انتوت "ارتكاب أعمال إبادة جماعية أو تقاعست عن منعها".

 

ومن الأمثلة المذكورة التصريح الذي أدلى به الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في 12 أكتوبر، والذي قال فيه إنه لا فرق بين المقاتلين المسلحين والمدنيين في غزة، "إنها مسؤولية شعب [غزة] بأكمله. والحديث المتداول عن عدم علم المدنيين أو عدم مشاركتهم ليس صحيحاً. إنه غير صحيح على الإطلاق… لذا سنقاتلهم حتى يجثوا على الركب!".

 

 

وفي 9 أكتوبر، أعلن وزير الدفاع يوآف غالانت أن إسرائيل ستفرض حصاراً شاملاً على غزة، وستقطع الكهرباء والمياه عن القطاع، بل بلغ به الأمر أن وصف أهل غزة بأنهم "حيوانات بشرية".

 

وفي 10 نوفمبر 2023، قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير في خطاب متلفز إن إسرائيل عندما تقول إنها ستدمر حماس، فإنها تقصد أن هذا التدمير سيشمل "الذين احتفلوا [بهجوم 7 أكتوبر ]، والذين أيَّدوا، والذين وزعوا الحلوى، فكلهم ​​إرهابيون، وكلهم يجب تدميرهم أيضاً".

 

وفي 11 نوفمبر، قال وزير الزراعة الإسرائيلي: "نحن الآن في الواقع نلحق نكبة ثانية بغزة"، وهو يقصد بذلك إلى القتل الجماعي للفلسطينيين وتهجيرهم القسري وغيرها من الشنائع التي ارتكبتها إسرائيل قبيل إعلان دولتها في عام 1948.

 

 

منظمات ودول وعلماء يصنفون حرب غزة بأنها إبادة جماعية

على الرغم من أن جنوب أفريقيا أول دولة تتقدم بهذه الدعوى لاتهام إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، فإن كثيراً من الدول والأفراد والمنظمات وصفت تصرفات إسرائيل في غزة بأنها إبادة جماعية.

 

وقال عدة زعماء، منهم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورؤساء الجزائر وبوليفيا والبرازيل وكولومبيا وكوبا وإيران وتركيا وفنزويلا، إن تصرفات إسرائيل ندرج في جرائم الإبادة الجماعية.

 

وبعد أسبوعين فقط من الحرب، نشر أكثر من 800 عالم بياناً حذروا فيه من أن إسرائيل توشك على ارتكاب إبادة جماعية بحق سكان غزة، وكان من بين الموقعين خبراء بارزون في دراسة المحرقة النازية وخبراء في دراسات الإبادة الجماعية.

 

 

كما أصدر عدة مسؤولين بارزين بالأمم المتحدة تحذيرات علنية من أن إسرائيل في غزة قد تصل إلى حدِّ الإبادة الجماعية. وقال ثمانية مقررين تابعين للأمم المتحدة في 2 نوفمبر، إنهم "مقتنعون بأن الشعب الفلسطيني معرض لخطر الإبادة الجماعية". وفي 16 نوفمبر، حذر 15 مقرراً تابعاً للأمم المتحدة من أن تصرفات إسرائيل بعد هجوم 7 أكتوبر "يمكن أن تندرج في أفعال الإبادة الجماعية".

 

وفي أواخر أكتوبر، استقال كريج مخيبر، مدير مكتب المفوضية السامية لحقوق الإنسان في نيويورك، من منصبه احتجاجاً على ما وصفه بأنه "نموذج متجسد لأركان الإبادة الجماعية " في غزة.