بعد 106 أيام لحرب غزة.. تراجع الاستثمارات في مجال التقنية بنسبة 50% وخسارة القطاع الزراعي في غلاف غزة تقدر ب 75% إلي 80% قطاع البناء شارف على الانهيار وفقاً لاتحاد المقاولين الإسرائيليين
تواجه إسرائيل أزمة اقتصادية غير مسبوقة جراء حربها المستمرة على قطاع غزة منذ 106 أيام. وقد حث البنك المركزي الإسرائيلي الحكومة على ضرورة اتخاذ خطوات فورية للحد من تراجع الناتج المحلي الإجمالي. ويتركز التراجع في قطاعات التقنية والزراعة والبناء والسياحة، وطالب البنك برفع الضرائب لاحتواء تكاليف الحرب.
ومنذ أكثر من 3 شهور عندما شنت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، وهي تعيش أزمة متصاعدة من مشاهد قتل جنودها ودمار للمباني وشوارع خالية، وفنادق تخلو من السياح وتأوي بدلا منهم مئات آلاف النازحين الإسرائيليين من سكان المناطق الشمالية والجنوبية.
ومشاهد تثقل كاهل السلطات الإسرائيلية والدولة التي باتت تترنح ما بين مواصلة الحرب على قطاع غزة، وضرورة وضع خطة اقتصادية لتدارك حجم الخسائر غير المسبوقة.
ونفقات وتكاليف تشير تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية إلى أنها ستتجاوز مستوى 14 مليار دولار مع استمرار الحرب حتى فبراير القادم.
ملامح الأزمة
ورغم محاولات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تسويق رواية لمواطنيه وحلفائه السياسيين عنوانها اقتصاد إسرائيل قوي ومستقر؛ تندلع خلافات في بنك إسرائيل المركزي تعكس حجم التفاوت بين واقع سوق المال والتصريحات، إذ يطالب محافظ البنك المركزي أمير يارون رئيس الوزراء باتخاذ إجراءات تجنب الدخول في أزمة اقتصادية حادة، من بينها: فرض ضرائب جديدة، أو رفع القائم منها.
قطاع التقنية
وتبدو تجليات الأزمة الاقتصادية الحادة واضحة في أبزر القطاعات الاقتصادية في البلاد، فأهمها قطاع التقنية الذي يشكّل 18.1% من الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل في 2022 ليصبح أكبر مساهم في الناتج المحلي، وفق بيانات هيئة الابتكار الإسرائيلية، وقد تضاعف إنتاج القطاع إلى 290 مليار شيكل (78.6 مليار دولار) في السنة نفسها، من 126 مليار شيكل (34.15 مليار دولار) في 2012.
وحسب البيانات، مثّلت صادرات قطاع التقنية الفائقة 48.3% من إجمالي الصادرات الإسرائيلية في 2022، بما قيمته 71 مليار دولار، بنمو 107% مقارنة بالمسجل في 2012، ويعمل 401,900 موظف في إسرائيل في القطاع، وفق بيانات 2022.
ومنذ بدء الحرب على غزة وقرار التجنيد الواسع لقوات الاحتياط، خلت شركات التقنية من العمال لتواجه أزمة اقتصادية؛ تمثلت بتراجع الاستثمارات فيها بنسبة 50% مقارنة بالعام الماضي.
قطاع الزراعة
أما بالنسبة لقطاع الزراعة، فإخلاء بلدات غلاف غزة وتلك الشمالية القريبة من لبنان -والمنطقتان تعدّان السلة الغذائية لإسرائيل- لم ينعكس على التكاليف المباشرة للحرب فقط؛ بل تسبب بخسائر فادحة في قطاع الزراعة حالت دون مدّ الأسواق بغالبية المحاصيل الزراعية والمنتجات الغذائية.
وتسببت الحرب على غزة بخسارة الغلة الزراعية في غلاف غزة بنسبة 75% و80% من إنتاج الحليب والبيض، إضافة إلى ترك 29 ألف عامل في هذه الأراضي الزراعية.
ويواجه المزارعون في مستوطنات غلاف غزة والنقب الغربي أضرارا مباشرة وغير مباشرة، وينضم إليهم المزارعون الذين تقع حقولهم وبساتينهم في الجليل الأعلى على مقربة من الحدود اللبنانية، وضاعف من الضرر، أن العديد من العمال الأجانب غادروا إسرائيل، ولا يسمح للعمال الفلسطينيين بالدخول إليها.
وتظهر بيانات دائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية أن مزارع غلاف غزة تشكل 30% من الأراضي المخصصة لزراعة الخضروات في إسرائيل.
وتُعرف المنطقة المحيطة بقطاع غزة باسم "رقعة الخضار الإسرائيلية"، وتحوي -كذلك- مزارع للدواجن والماشية، إلى جانب مزارع للأسماك.
ونقل عن رئيس اتحاد المزارعين، عميت يفراح، قوله إن غلاف غزة ينتج:
%75 من الخضروات المستهلكة في إسرائيل، و20% من الفاكهة، و6.5% من الحليب، و70% من محصول البندورة، و37%من زراعة الجزر والملفوف، و60%من زراعة البطاطا.
ورغم أن 9.5% فقط من البساتين والبيارات تقع في مستوطنات الغلاف، فإن 59% من بساتين الليمون بالبلاد موجودة في المنطقة، وحوالي 30% من بساتين البرتقال.
قطاع البناء
وأما قطاع البناء فشارف على الانهيار وفق اتحاد المقاولين الإسرائيليين، لأسباب عدة؛ أبرزها: غياب الأيدي العاملة الفلسطينية منذ بدء الحرب.
ويعاني القطاع من نقص نحو 140 ألف عامل في هذا القطاع الذي يعود بشكل أساسي لغياب العمالة الفلسطينية، سواء من الضفة الغربية أو غزة، وهو ما أدى لإغلاق 50% من مشروعات البناء.
ومنتصف الشهر الجاري قالت جمعية المقاولين والبنائين في إسرائيل، إنه حتى قبل الحرب على قطاع غزة كان هناك نقص دائم قدره 40 ألف عامل لتلبية احتياجات صناعة البناء، وحاليا مع غياب 100 ألف عامل فلسطيني، فإن الصناعة تفتقر الآن فعليا إلى أكثر من 140 ألف عامل.
وحتى السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كان قطاع البناء في إسرائيل يعتمد بشكل كبير على القوى العاملة الفلسطينية بأكثر من 100 ألف عامل. ويتوزع الرقم بواقع 75 ألف فلسطيني من الضفة الغربية يحملون تصاريح للعمل في إسرائيل، و12 ألفا من قطاع غزة، في حين كان نحو 15 ألف فلسطيني غيرهم يعملون دون تصاريح.
ويمثل ذلك نحو ثلث القوى العاملة في القطاع بأكمله، ومع اندلاع الحرب توقف دخول العمال الفلسطينيين إلى إسرائيل بشكل كامل، مما أدى إلى عجز فوري قدره 100 ألف عامل، حسب الجمعية.
وأضافت الجمعية -في الوقت الحاضر- هناك 50% من مواقع البناء في البلاد مغلقة، بسبب النقص الحاد في القوى العاملة، والنشطة منها تعمل بطاقة 30% من قدرتها.
أما بالنسبة لعمال البناء الأجانب، فكانوا قبل الحرب يقدرون بنحو 23 ألفا، معظمهم من مولدوفا والصين، منهم 3 آلاف غادروا إسرائيل مع اندلاع الحرب.
وحسب تقديرات وزارة المالية الإسرائيلية، فإن قطاع البناء يخسر ملياري و400 ألف شيكل أسبوعيا (644 مليون دولار) وبما أن الوضع الحالي من المتوقع أن يستمر في الأشهر المقبلة، فإن 3% من الناتج المحلي الإجمالي السنوي يمكن أن يضيع.
قطاع السياحة
أما قطاع السياحة فليس أفضل حالا، حيث تزامنت الحرب مع فترة الأعياد، إذ شملت الخسائر مختلف المناطق والقطاعات السياحية. ويتوقع أن يواصل قطاع السياحة الإسرائيلي انتكاسته في 2024.
وكانت السياحة في إسرائيل تشهد موسما استثنائيا في 2023 مع تحقيقه معدلات نمو كبيرة وتعاف أكبر، لكن عملية "طوفان الأقصى" التي شنتها المقاومة الفلسطينية بقيادة كتائب القسام على الاحتلال الإسرائيلي في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وما أعقبها من عدوان إسرائيلي على قطاع غزة، كان لها وقع الصدمة على السياحة الإسرائيلية فيما تبقى من العام المنصرم والعام الحالي.
وكان قطاع السياحة في إسرائيل قد سجل نموا ملحوظا في 2023 قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث استقبلت البلاد ما يقرب من 3.01 ملايين سائح، مما أدى إلى ضخ 4.85 مليارات دولار في الاقتصاد الإسرائيلي. إلا أن القطاع تعرض لانتكاسة في نهاية العام، ولم يتحقق توقع ارتفاع عدد السياح إلى مستوى 3.9 مليون للعام، خاصة مع توقف معظم الشركات الدولية من تسيير رحلاتها الجوية إلى إسرائيل.
ومع انقضاء 2023، يواجه قطاع السياحة في إسرائيل مستقبلا محفوفا بالتحديات والشكوك في أعقاب الحرب.
مواجهة التكاليف
ولمواجهة تكاليف الحرب حددت الحكومة الإسرائيلية في ميزانية 2024 ما نسبته 10% من الناتج المحلي لتمويل الحرب لشهرين.
وما بين واقع تطرحه البيانات والمعطيات الاقتصادية التي تنذر بأيام صعبة على اقتصاد إسرائيل، يبرز الدعم الأميركي عاملا رئيسا في تجنب مستقبل كارثي على اقتصاد إسرائيل، الذي قد يتمثل في:
3.8 مليار دولار قيمة أسلحة وذخائر تقدمها أمريكا لإسرائيل.
14 مليار دولار متوقعة تناقشها الولايات المتحدة لتقديمها لإسرائيل مساعدات.