نجاة الكبيرة ما بين الظهور و الإختفاء
كثيراً كنت أتساءل أين هي المطربة الكبيرة التي أحببناها نجاة الصغيرة ، لماذا لا نراها في حوار تلفزيوني أو إذاعي أو صحفي أو حتى في مداخلة هاتفية ، نطمئن من خلالها عليها نشعر معها بأن لا يزال صوتها ينبض ولو بكلمات قليلة بسيطة فهي اخر ما تبقي لنا من عبق الزمن الجميل .
ولماذا دوماً ترفض أي تكريم من أي جهة فنية حتي لو رفضت الظهور كان يكفينا كلمات عابرة منها كرسالة لمن يكرمها و لنا كما فعلت الفنانة الكبيرة شادية
وبالفعل حاول معها الكثير في مصر لإقناعها بالتكريم و الظهور في الكثير من البرامج ولكن كانت دائماً تعتذر و ترفض و أحياناً تنكر وجودها في مصر
شعرت وقتها بأنها إختارت حياة أخرى بعيدة كل البعد عن الصخب و الأضواء و كل من أحبها إحترم هذا قرارها بالإبتعاد و العزلة
وإكتفينا بها كغنوة جميلة لا تزال عالقة في القلوب و العقول و الوجدان
وفجاءة و بدون سابق إنذار ترفع الستار لنري أمامنا نجاة في الرياض في حفل أسطوري عالمي
وكلنا وقفنا أمام هذا المشهد نتساءل هي بالفعل نجاة أم مجرد صوت فقط
ولماذا عادت و كيف تم إقناعها بالعودة
ومن أقنعها و هل كان ظهورها موفق
وأمام كل هذه الأسئلة لم نجد أي إجابة
كم كنت أتمني أن أراها و هي تتسلم درع تكريمها في إحتفال مهيب يليق بها كرمز من رموز الوطن العربي و كان هذا يكفي .
ولكن لم أحب أن أراها بهذا الشكل الغير لائق بها و بعمرها و صحتها و لياقتها البدنية و الفنية
لماذا الآن نجاة
جاءت فكرة عودة نجاة الصغيرة بعد ما إعتذرت فيروز عن عدم الحضور و المشاركة
فكانت فكرة عظيمة تكريم نجاة ولكن كان يكفيها الحضور من المكرمات بعيداً عن وقوفها تؤدي أغنية لها بطريقة البلاي باك
كان المشهد سيكون مختلفاً و جميلاً و عظيماً أو يذهبوا إليها في منزلها ليتم تكريمها و تصويرها و هي في بيتها كما فعل الرئيس الفرنسي مع العظيمة فيروز
فنجاة لا تقل أهمية عن فيروز في الوطن العربي قاطبةً
وبالفعل كان ظهورها صدمة كبيرة لكثير من محبيها و فرحة كبيرة أيضاً لقليل من محبيها
ولكن نظرة سريعة على شريط حياة هذه المطربة التي أصبحت رمز للحب و الوطن
نجاة الصغيرة الطفلة إبنة الخطاط حسني البابا و الشقيقة الكبرى لسعاد حسني
نجاة الصغيرة التي تبناها محمد عبد الوهاب و أفرد لها مقالات في الصحافة المصرية لكي تتوقف عن الغناء و هي في سن السابعة من عمرها خوفاً عليها و علي جمال صوتها
وبالفعل تمت الإستجابة الفورية و أصبحت في كنف الموسيقار محمد عبد الوهاب و تبناها فنياً
وظهرت في عدة أفلام مثل
فيلم { هدية } ١٩٤٧
فيلم { الكل يغني } ١٩٤٧
فيلم { محسوب العيلة } ١٩٥٠
فيلم { بنت البلد } ١٩٥٤ مع اسماعيل ياسين
ثم فيلم البطولة { غريبة } ١٩٥٨
ولم تكن تتمتع بنجومية سينمائية كبيرة نظراً لمحدودية موهبتها التمثيلية ولعل أشهر أفلامها فيلم { الشموع السوداء } ١٩٦٢ مع صالح سليم
و أشتهر عن نجاة أنها ملهمة الشاعر الكبير كامل الشناوي الذي نظم في حبها قصائد
لا تكذبي و حبيبها و لست قلبي
بسبب حبه لها الذي قوبل منها بالجحود
وحبها للاديب الكبير يوسف إدريس
وخاضت نجاة الصغيرة معارك فنية مع منافسيها مثل شريفة فاضل التي كانت دايماً تحب أن تغني في الحفلات قبلها لتستأثر بأكبر وقت حتي أقسمت شريفة فاضل بألا تغني في حفلة بها نجاة .
وأيضاً خاضت معركة فنية في ساحات المحاكم مع بليغ حمدي و وردة بسبب أغنية العيون السود التي كانت ستغنيها هي قبل أن يهديها بليغ حمدي لوردة ليقنعها بالرجوع للغناء .
وكانت نجاة الصغيرة صاحبة الأداء الهادي الناعم الرقيق هي الأكثر المطربات في مشاكل و خلافات مع زملائها و زميلاتها في الوسط الفني حتي مع شقيقتها الفنانة الكبيرة سعاد حسني التي كانت علاقتها بها متوترة و ليست علي ما يرام بسبب نجاح سعاد حسني في الأغنية في السينما .
نجاة الصغيرة هذا اللقب الذي حصلت عليه بسبب وجود مطربة كبيرة قبل منها
نجاة علي التي كانت إحدي إكتشافات الموسيقار محمد عبد الوهاب أيضاً وقدمها معه لأول مرة في فيلمه { دموع الحب } ١٩٣٦ .
رحلة نجاة الصغيرة رحلة ممتلئة بالأحداث و المواقف و لكن تظل صوت من أصوات الحب التي طالما إستمتعنا به جيل وراء جيل .
ولعل ظهورها في حفل الرياض كان له بالغ الأثر و الأهمية للعودة و الحنين لآخر ما تبقي من زمن جميل و عظيم و راقي وفي النهاية تبقي نجاة دائماً نجاة الكبيرة.