كيف يشكل قرار "محكمة العدل الدولية" ضربة مدوية لإسرائيل وأمريكا؟
جاء قرار محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل ليضعها في قفص الاتهام الدولي، ويوجه لها ضربة على الصعيد الدولي، حيث طالبها باتخاذ خطوات لمنع أعمال الإبادة الجماعية في غزة وإدخال المساعدات، كما يمهد الحكم للنظر في قضية أطول أمداً تتهم إسرائيل بالإبادة الجماعية، في مؤشر على أنها ترى شبهات معقولة لتنفيذ تل أبيب لهذه الجريمة.
وطلبت المحكمة، في قرارها الأوَّلي في الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا ضد إسرائيل وتتهمها بارتكاب "إبادة جماعية" في قطاع غزة، من دولة الاحتلال "منع ومعاقبة" التحريض على الإبادة، وإدخال مساعدات إلى القطاع المحاصر، وحماية المدنيين، وتحسين ظروف معيشتهم، لكنها لم تصل إلى حد إصدار قرار يلزمها بوقف إطلاق النار في غزة .
وأمرت المحكمة إسرائيل بتقديم تقرير خلال شهر عن الإجراءات التي اتخذتها لدعم الحكم.
إسرائيل في قفص الاتهام لأول مرة نتيجة قرار محكمة العدل الدولية
من شأن قرار محكمة العدل الدولية أن يكون بداية نهاية حصانة إسرائيل الدولية التي عملت على بنائها طوال العقود الماضية، ونجحت في تجنب المثول أمام القضاء الدولي.
إلا أن دعوى جنوب أفريقيا دفعتها إلى المثول لأول مرة في تاريخها أمام محكمة الجنايات الدولية، وبمجرد إعلان المحكمة أن الأدلة المقدمة ضد إسرائيل معقولة، فإن إسرائيل وقعت في قفص الاتهام بتنفيذ "إبادة جماعية" في قطاع غزة.
كما يعني ذلك أن الاحتلال الإسرائيلي أمامه قضية معقدة وطويلة أمام محكمة العدل الدولية، قد تستغرق سنوات، بحسب خبراء غربيون .
قرار محكمة العدل الدولية
وبالنظر إلى القضايا المشابهة، فإن دعوى الإبادة الجماعية التي رفعتها البوسنة والهرسك ضد صربيا (يوغسلافيا سابقاً) استغرق البت فيها 14 عاما ، وحُكم فيها لصالح البوسنة بأن يوغسلافيا لم تبذل الجهد الكافي لوقف الإبادة الجماعية.
وقالت المحكمة إنها أخذت "بالاعتبار تصريحات مسؤولين إسرائيليين بشأن رفع صفة الإنسانية عن الفلسطينيين".
وقد بدا الانزعاج الإسرائيلي واضحاً من قرار محكمة العدل الدولية، في دليل واضح على الانتصار الجنوب أفريقي الفلسطيني، ففي أول تعليق لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو على الحكم، قال: 'نرفض قرارات محكمة العدل الدولية، ونتمسك بحق الدفاع عن نفسنا'.
أما وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير ، فقد اتهم محكمة العدل الدولية بأنها "معادية للسامية"، مدعياً أن قرارها يثبت أنها "لا تسعى إلى العدالة".
هكذا يمثل الحكم ضربة كبيرة لإسرائيل وبداية لنزع الشرعية عنها
على الصعيد الدولي يمثل الحكم ضربة مدمرة لمكانة إسرائيل العالمية، حسب وصف تقرير لموقع Responsible Statecraft الأمريكي.
ولفهم تداعيات الحكم على إسرائيل، يجب النظر إلى أن تل أبيب عملت بشراسة على مدى العقدين الماضيين، لحماية نفسها دولياً، وتصدت لكل محاولات الاتهامات الموجهة لها، ووجهت اتهامات "معاداة السامية" لكل من ينتقدها او يسيء إليها، حتى بات هذا الاتهام قانوناً في كثير من الدول الغربية.
ومع قرار محكمة العدل الدولية الذي يؤكد الاشتباه، بشكل معقول، في أن إسرائيل قد تكون متورطة في الإبادة الجماعية، فإن هذا القرار يعتبر الأكثر تدميراً لشرعية إسرائيل الدولية، بحسب ما ذكره موقع Responsible Statecraft الأمريكي.
المحكمة قضت على مشروع التطهير العرقي
ويرى الموقع الأمريكي أن قرار المحكمة ستكون له تداعيات على سير العمليات العسكرية في غزة، ومن شأنه أن يؤدي إلى تخفيف "حدة سلوك إسرائيل" في الحرب.
وحتى قبل صدور قرار المحكمة، كانت للقضية إيجابيات على مسار الصراع، فمجرد تقديم جنوب أفريقيا طلبها إلى محكمة العدل الدولية أدى إلى الضغط على الاحتلال الإسرائيلي من أجل تخفيف حدة سلوكه
الحربي في قطاع غزة، حسب Responsible Statecraft
ويقول الموقع الأمريكي إنه يبدو أن أي خطط لتطهير غزة عرقياً وإرسال سكانها إلى دول ثالثة، قد توقفت إلى حد ما، لأن سلطات الاحتلال الإسرائيلي باتت أكثر حذراً في مساعيها لهذا التطهير العرقي والتصريحات المرتبطة به، لأن ذلك قد يعزز دعوى جنوب أفريقيا بشأن الإبادة الجماعية.
ولقد بلغ القلق الإسرائيلي من تأثير مثل التصريحات المتطرفة على القضية إلى درجة أن مذيعا إسرائيلياً طرد عضو الكنيست عن حزب "الليكود" ناسيم فاتوري من الأستوديو؛ إثر تمسكه بموقفه الداعي إلى "إحراق غزة"، وهو أحد التصريحات التي استخدمها محامي جنوب أفريقيا كدليل على نية الإبادة الجماعية لدى المسؤولين الإسرائيليين.
هذه المؤشرات تدل على أن الدعوى التي تقدمت بها جنوب أفريقيا- ورغم التشكيك بشكل متزايد في قوة القانون الدولي- كان لها تأثير أكبر من أي شيء فعلته إدارة بايدن والقوى الدولية المؤثرة لردع العنف الإسرائيلي.
الحكم يمثل إحراجاً كبيراً لواشنطن
ولأن محكمة العدل الدولية ليست لديها القدرة على تنفيذ حكمها، وعدم ضمان استجابة إسرائيل للقرار، فإن الأمر غالباً سيُنقل إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، وهنا ستصبح واشنطن أمام مسؤولياتها.
إذ ستواجه إدارة بايدن مرة أخرى خيارين: إما حماية إسرائيل سياسياً من خلال استخدام حق النقض، ومن ثم زيادة عزلة الولايات المتحدة، وإما السماح لمجلس الأمن بالتصرف ودفع تكلفة سياسية محلية مقابل "عدم الوقوف إلى جانب إسرائيل".
عواقب أكبر لأوروبا
وإذا كانت الولايات المتحدة معتادة على تنحية القانون الدولي جانباً، والنظر بازدواجية إلى قضايا الشرق الأوسط، فإن أوروبا ستكون أمام اختبار كبير في هذه المسألة، لأنها تختلف عن أمريكا في هذه المسألة وتقدم نفسها دوماً ككيان يحترم القانون الدولي، حيث يلعب القانون الدولي والمؤسسات الدولية دوراً أكثر مركزية في الفكر الأمني الأوروبي.
وقد بدا هذا الأمر واضحاً في تعليق الاتحاد الأوروبي على قرار المحكمة، والذي قال فيه إنه "يتوقع تنفيذاً كاملاً وفورياً وفعالاً لقرارات محكمة العدل الدولية بشأن اتخاذ إجراءات فورية في غزة".
ويرى الموقع الأمريكي أن القرار سيؤدي إلى استمرار انقسام أوروبا بشأن الموقف من الحرب والقضية الفلسطينية. ولكن احتمال أن بعض الدول الرئيسية في الاتحاد الأوروبي سوف ترفض حكم محكمة العدل الدولية، سيقوض النموذج الأمني الأوروبي القائم على احترام القانون.