محلل أمريكي: على واشنطن الاستعداد لرد إيران على أي هجوم كبير ضدها
في الوقت الذي يتزايد فيه انخراط الولايات المتحدة في الصراع مع المجموعات المسلحة الموالية لإيران من العراق وسوريا شمالا إلى اليمن جنوبا، أصبح السؤال المطروح بقوة على دوائر صناعة القرار في واشنطن هو هل سترد إيران بقوة أم تستلم إذا وجهت إليها أمريكا ضربة عسكرية مباشرة؟
وفي تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء قال هال براندز الباحث الزميل الكبير في معهد أمريكان إنتربرايز الأمريكي للأبحاث إن هذا السؤال يزداد خطورة في الوقت الذي الذي أشعلت فيه واشنطن أحدث حروبها الشرق الأوسطية بالرد على هجمات جماعة الحوثيين اليمنية على السفن التجارية المرتبطة بإسرائيل التي تمر عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب.
وأضاف أنه يمكن الإجابة على السؤال بالعودة إلى ما حدث خلال السنوات الأربع الماضية عندما صعدت واشنطن المواجهة مع طهران باغتيال الجنرال قاسم سليماني قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، عقب موجة هجمات مدعومة من إيران ضد مصالح أمريكية.
واليوم يقول الكثيرون من الصقور في واشنطن إن عملية اغتيال سليماني أثبتت أن طهران لا تريد تصعيد المواجهة مع واشنطن، وبالتالي فإن تكثيف الهجمات الأمريكية على المصالح الإيرانية هو أفضل طريق لكبح جماحها.
لكن براندز مؤلف كتاب "منطقة خطرة: الصراع القادم مع الصين" وعضو مجلس سياسة الشؤون الخارجية في وزارة الخارجية الأمريكية، يقول إن الدرس الحقيقي أكثر تعقيدا وهو أن أمريكا تستطيع بالتأكيد توجيه ضربة قوية لإيران، لكن إذا كانت مستعدة لمواجهة الضربة المضادة من إيران.
جاء قتل سيلماني في إطار تنافس أمريكي إيراني مستمر منذ عقود، وفي ظل تصاعد التوتر بينهما خلال فترة رئاسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وفي عام 2018 انسحب ترامب من اتفاق البرنامج النووي الإيراني وأعاد فرض العقوبات الأمريكية على طهران، وردت إيران على ذلك بتكثيف تحركاتها العدوانية في الشرق الأوسط.
وفي يونيو 2019 اسقطت طهران طائرة تجسس أمريكية بدون طيار، وفي سبتمبر هاجمت منشآت نفطية سعودية بالصواريخ والطائرات المسيرة بدون طيار.
وفي أول ديسمبر أطلقت مجموعات مسلحة موالية لإيران هجماتها ضد المنشآت العسكرية الأمريكية في العراق مما أسفر عن مقتل متعاقد مدني أمريكي.
وفي ليلة رأس السنة اقتحم متظاهرون مؤيدون لإيران السفارة الأمريكية في بغداد. وفي أوائل يناير 2020 كان سليماني يتجول في المنطقة لحشد قواته لشن موجة أكبر من الهجمات ضد المصالح الأمريكية. لكن المخابرات الأمريكية حددت موقعه بمجرد وصوله إلى بغداد، وأطلقت طائرة أمريكية بدون طيار صاروخا على سيارته فقضت عليه.
كانت هذه الضربة قوية وغير متوقعة وفاجأت المراقبين الإيرانيين والأمريكيين على حد السواء. وفي ذلك الوقت وكما هو الحال الآن انطلقت الجماعات الموالية لطهران في مهاجمة المصالح الأمريكية في الشرق الأوسط في حين تسترت طهران خلف ستار الإنكار والنفي. وفي ذلك الوقت وكما هو الحال الآن أيضا لم يرغب الرئيس الأمريكي في الدخول في صراع كبير مع إيران لكنه كان يحتاج لاستعادة قوة الردع الأمريكي.
كان ترامب يرغب في تأكيد قدرة بلاده على استهداف كبار القادة الإيرانيين من خلال قتل سليماني الذي كان يتولى مجموعة مهام تشمل التجسس وتنفيذ العمليات الخاصة والاتصالات الدبلوماسية السرية.
ونجحت استراتيجية ترامب. وردت طهران على مقتل سليماني بقصف قاعدة الأسد العسكرية الأمريكية في غرب العراق، ثم اسقطت بشكل عارض طائرة مدنية في الأجواء الإيرانية، في ظل تصاعد التوتر مع واشنطن. لكن التحركات الإيرانية جاءت بعد مرور فترة كافية تسمح للمخابرات الأمريكية بجمع المعلومات عن هذه التحركات عما هو آت ولوزارة الدفاع الأمريكية لإخلاء القاعدة العسكرية قبل القصف الإيراني. وبعد هذا القصف الذي لم يسفر عن سقوط أي قتلى في صفوف الأمريكيين، قالت إيران إنها لا تريد تصعيد المواجهة مع الولايات المتحدة.
الآن تحاول الولايات المتحدة كبح جماح إيران والجماعات المسلحة الموالية لها في مواجهة أخرى. ومن بين الخيارات المطروح شن هجمات تستهدف العناصر الإيرانية في العراق وسوريا، وكبار قادة فيلق القدس وربما داخل إيران نفسها.
ويقول هال براندز، إن مثل هذه التكتكيات يمكن أن تساعد في إدارة الأزمة الحالية من خلال تذكير المسؤولين في طهران، كما فعل بايدن منذ أربع سنوات، بمدى الخطر الوجودي الذي تواجه بلادهم إذا ما دخلت صراعا مفتوحا مع قوة عظمى. لكن لا يجب الافتراض أن مثل هذه الهجمات الأمريكية ستمنع إيران من السعي للثأر من الولايات المتحدة، أو ستحقق فترة هدوء مؤقتة للولايات المتحدة.
وكما كان الحال في عملية قتل سليماني، فالأزمة الحالية مجرد حلقة واحدة من مسلسل التنافس الاستراتيجي المستمر بين واشنطن وطهران. فإذا كانت الولايات المتحدة تعتزم توجيه ضربة أقوى لطهران، عليها الاستعداد لهجوم لإيراني مضاد.