التشخيص الذاتي للأمراض العقلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.. نعمة أم نقمة؟
إذا كنت تعاني من مشكلة صحية غير محددة، فإنك تذهب للطبيب لكي يشخص حالتك. على الأقل هذا ما اعتاد أن يحدث. ولكن الآن، في عصر وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح التشخيص الذاتي- خاصة فيما يتعلق بالمرض العقلي- أمرا شائعا.
وتجرى مناقشة القضايا المتعلقة بالصحة العقلية على مواقع التواصل الاجتماعي منذ فترة. ويقوم من يعانون من هذه المشاكل العقلية، ومن بينهم شخصيات مؤثرة وشهيرة لديها عدد كبير للغاية من المتابعين ، بتحميل مقاطع فيديو يتحدثون فيها عن تجاربهم. كما أن العلماء النفسيين والمعالجين النفسيين يقومون بنشر المحتوى المتعلق بتخصصاتهم.
وسواء كان الأمر يتغلق بقصور الانتباه وفرط الحركة أو التوحد أو الاكتئاب أو أي مرض آخر، فإن الصفحات التي تحتوى على نتائج ذات صلة سرعان ما تظهر في حال بحثت عن هذه الأمراض عبر شبكة الانترنت.
ويرى المعالج النفسي أومت اوزدمير، وهو أيضا مؤلف ومحاضر وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي ويقيم في برلين، أنه من الجيد أن تساعد وسائل التواصل الاجتماعي في إزالة وصمة العار المتعلقة بالمرض العقلي بين الشباب.
وفي بعض الأحيان، لا يدرك الشباب أنهم ربما يعانون من مرض عقلي حتى يرون شيئا ما على وسائل التواصل الاجتماعي.
ويقول أوزدمير" يتعين على المرء أن يدرك أولا أنه لا يشعر مثل ما يفعل معظم الآشخاص الآخرين ،وأن ما يعتقد أنه أمرا طبيعي ليس طبيعيا على الإطلاق" مشيرا إلى أنه إذا لم يشتبه المرء في أي شىء ، فإنه لم يكن ليحدد موعدا مع معالج نفسي.
وعلى سبيل المثال، نتحدث عن قصور الانتباه وفرط الحركة . فوفقا لأوزدمير، تظهر الإحصاءات تزايد أعداد التشخيص بهذا المرض. ويقول إن ذلك لا يرجع إلى كون هذه الحالة أصبحت أكثر شيوعا، ولكن لأن الأعراض أصبحت معروفة على نطاق أوسع.
ويتزايد أعداد الأشخاص الذين يتبعون أساليبه العلاجية، بعدما يشتبهون في أنهم يعانون من عرض يتعلق بصحتهم العقلية. ويقول اوزدمير " هذا يظهر أنهم يسألون الأسئلة الصحيحة ولا يتجاهلون الأمر"، ولكنه أكد أن متخصصا هو من يجب أن يقدم التشخيص الحاسم، مشيرا إلى أن التشخيص الذاتي عرضة للخطأ.
وأضاف" من جانب، فإن التشخيص الذاتي يخضع للمنظور الشخصي. وعلاوة على ذلك، فإن الشخص الذي يقوم بهذا التشخيص يفتقر للخبرة الاحترافية فيما يتعلق بـأي تشخيص يفرق بين الحالات" في إشارة إلى عدد كبير من الحالات المحتملة التي تتشارك نفس الأعراض.
لذلك ينتقد اوزدمير الأشخاص الذين يتوقعون الحصول على علاج خاص من آخرين على أساس الافتراض الذي لا يدعمه التقييم الطبي المتخصص. وقال " في أسوأ الحالات، يمكن أن يؤدي ذلك إلى اعتماد الشخص على افتراضات الآخرين".
كما يحذر بورخارد روديك، الأمين العام للجمعية الألمانية لطب الأطفال والبالغين من مخاطر توعية المرء نفسه فيما يتعلق بأي مرض عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
وأوضح أنه على الرغم من أنه لا يجب إدانة وسائل التواصل الاجتماعي إجمالا كمصدر للمعلومات، " غالبا ما يكون هناك غياب للبحث المعمق، بالإضافة إلى التمييز الضئيل بين الحقيقة والرأي".
وأوضح أنه ليس لدى الفتيان والفتيات على وجه الخصوص الخبرة الكافية لإدراك الفرق، مضيفا أن المعلومات الموثوق فيها- لغير المتخصصين أيضا- متاحة من جانب الهيئات الطبية وفي الارشادات الخاصة بالأمراض.
ويحث أوزدمير على فحص مصادر المعلومات بعناية. ويقول " الكثيرون يقفزون ببساطة لعربة الصحة العقلية". وأضاف" في بعض الأحيان، يتكون لدي انطباع أننا نعيش في دولة الجميع بها خبراء في الصحة النفسية".
وأشار روديك لمشكلة أخرى، وقال " نحن جميعا نوعي أنفسنا بتحيز "، مما يعني أننا نقرأ ما نريد أن نقرأه. وأضاف" استيعابنا للأمور دائما ما يكون شخصيا"، لذلك يقول إن مشاركة شخص ما حيادي وخبير بقدر الإمكان يعد أمرا مهما عندما يتعلق الأمر بالتشخيص.
وأضاف" ولكن قبل استشارة طبيب أو معالج، لا بأس أن تقوم بجمع معلومات بنفسك".
مع ذلك، في ظل ارتفاع الطلب على العلاج النفسي، فإن الوصول لجلسات العلاج يمكن أن يكون أمرا صعبا. ويقول أوزدمير إنه على الرغم من أنه من السهل الحصول على موعد من أجل استشارة مبدئية- يمكن من خلالها التوصل لتشخيص أولي، فإن العلاج نفسه يتطلب انتظارا طويلا.
وفي حال عانى طفل أو بالغ بصورة كبيرة من حالة مفترضة تتعلق بالصحة العقلية، ينصح روديك الآباء بالتحدث مع طبيب أطفال. وقال إن ذلك يمكن غالبا أن يقلص فترة الانتظار للحصول على علاج.
ولكن هو وأوزدمير ينتقدان الافتقار لأماكن العلاج، وهو الانتقاد الذي غالبا ما يتم طرحه على وسائل التواصل الاجتماعي وما يمثل قوة دافعة محتملة للتشخيص الذاتي.
ويوضح أوزدمير أن ما يهم هو ما سيحدث بعد التشخيص الذاتي. وقال " إذا كنت ترغب أو تحتاج العلاج، فإنك لن تستطيع الإفلات من تشخيص يقوم به شخص متخصص.