الجمعة 22 نوفمبر 2024 الموافق 20 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
منوعات ومرأة

الصينيون يستقبلون "عام الثور" وسط قيود كورونا وأمنيات لم الشمل العائلى

الجمعة 12/فبراير/2021 - 01:36 م
مصر تايمز

يحتفل الصينيون في الثاني عشر من شهر فبراير من كل عام، بعيد رأس السنة الصينية الجديدة، أو رأس السنة القمرية أو عيد الربيع الصيني، الذي يسمى أيضا بعيد لم شمل العائلة، حيث يعد أحد أبرز واهم الأعياد الوطنية فى تاريخ الشعب الصيني، ويرجع إحياءه  إلى آلاف السنين.

وتشهد الصين عادة خلال أيام هذا العيد، التي تستمر 40 يوما، أكبر حركة تنقلات داخلية، إذ يعود مئات الملايين من المواطنين إلى مسقط رأسهم في القرى والبلدات، لقضاء أيام العيد ويشهدوا مع عائلاتهم بداية السنة القمرية الصينية الجديدة، حيث يسمي الصينيون هذه الحركة السنوية ذهابا وإيابا "تشون يون" باللغة الصينية.

يعتبر عام 2021 هو عام الثور، حيث يستخدم الصينيون كلمة الثور وتنطق باللغة الصينية نيو لمدح الآخرين، وتستخدم أيضاً في سوق الأوراق المالية لوصف الأداء الممتاز للسوق سوق الثور.

ويحافظ الصينيون على التقاليد الخاصة بالاحتفال بهذا العيد المهم، حيث يتم إضاءة المصابيح أي الفوانيس قبل العام القمري الصيني الجديد، وتظل معلقة حتى منتصف الشهر القمري، وتأخذ دائما اللون الأحمر الذي يرمز إلى الحماسة والقوة والحيوية، مع أداء رقصات تقليدية شهيرة كرقصة الأسد والتنين.

وتقول الأسطورة الصينية، إن بوذا في الصين طلب من جميع الحيوانات مقابلته في يوم رأس السنة الجديدة، وتمت تسمية شهور السنة بحسب الحيوانات التي حضرت وعددها 12 حيواناً، وتتضمن احتفالات السنة القمرية الجديدة أحداث مهمة مثل الألعاب النارية لتخويف الوحش الذي هو عبارة عن نصفين أحدهما التنين الأسطوري والنصف الآخر الوحش نيان الذي يخرج من مخبأه خلال السنة الجديدة، هذا بالإضافة إلى المسيرات ومهرجانات المصابيح الصينية ورقصات التنين.

ويتم تسمية كل عام على اسم واحد من اثني عشر حيوان مختلف من الأبراج الصينية، وهي الجرذ أي الفأر، الثور، والنمر، والأرنب، والتنين، والأفعى، والحصان، والخروف، والقرد، والديك، والكلب، والخنزير، وترجع تسمية الأعوام الصينية بأسماء حيوانات، إلى أن الأبراج الصينية تنقسم إلى 12 برجاً تمثل 12 حيواناً، وتشكل دورة من 12 عاماً، فيما يرجع هذا التقسيم إلى قصة أسطورية تتحدث عن دعوة الإمبراطور السماوي الحيوانات إلى توديعه، فلم يأت إلا 12 حيوانا جميعها حيوانات حقيقية ما عدا حيوان أسطوري واحد هو التنين. 

غير أنه بسبب الوضع الوبائي ومع استمرار تطبيق الصين إجراءات صارمة للوقاية من وباء فيروس "كورونا الجديد" (كوفيد-19) ومكافحته خلال ذروة السفر في عيد الربيع التقليدي، حثت السلطات الصينية على جميع المستويات السكان على البقاء والاحتفال في أماكنهم دون السفر والتنقل لمنع انتشار الفيروس.

وتتوقع وزارة النقل الصينية انخفاضا ملحوظا بنسبة 40% في حركة المرور خلال عطلة عيد الربيع بسبب التدابير سالفة الذكر، حيث كان عدد الرحلات بمختلف أنواعها خلال فترة ذروة السفر في هذا العيد، وهو أكبر هجرة بشرية من نوعها في العصر الحديث، يصل في المعتاد إلى ثلاثة مليارات رحلة، حيث يحرص الصينيون على الاحتفال بوداع سنة قديمة، وبدء سنة جديدة برفقة جميع أفراد عائلتهم.

وتتبنى سلطات النقل في الصين تدابير احترازية مشددة ضد تفشي فيروس كورونا الجديد (كوفيد-19)، من بينها منع الحمولة الزائدة في القطارات وترتيب مقاعد منفصلة للركاب الذين تظهر عليهم أعراض الحمى، وذلك للتعاطي مع حالات السفر خلال فترات العيد.

وتاريخيا، تعود حركة الهجرة الكبيرة خلال فترة عيد الربيع إلى أنه خلال العقود الأربعة الماضية، غادر الكثير من الصينيين بلداتهم للبحث عن العمل أو التعليم في أماكن أخرى بعيدة عن مساكنهم، لذا تعود الغالبية العظمى منهم إلى ديارها الأصلية من أجل لم شمل العائلة خلال عيد الربيع، والتي عادة ما يستغلها الأهل كفرصة لتزويج أبنائهم انطلاقا من تقديس الصينيين للحياة الأسرية، حيث يقومون بترتيب لقاءات تعارف لمساعدة وحث الأبناء في سن الزواج على إيجاد شريك الحياة وبناء أسرة جديدة سيما وأن الكثير من الشباب الصينيين ممن انتقلوا إلى المدينة وعاشوا فيها لا يرغبون في الزواج المبكر.

وتبدأ سنة 2021 التي تمثل هذا العام برج الثور أو البقرة في الأبراج الصينية، وهو يتسم بصفات عامة تنطوي على معاني اللطف، والاجتهاد، والتفاني، كما أنه يمثل غاية الروعة والقوة، لذلك غالبا ما تستخدم مفردة "ثور" الصينية لوصف أحدهم بأوصاف تنم عن التقدير والتكريم.

وبالنسبة لأصل احتفالات عيد الربيع، فيرجع تاريخ بدء الاحتفالات إلى ما قبل آلاف السنين، حيث تقول واحدة من الأساطير العديدة حوله، إنه في الصين القديمة كان يعيش وحش له قرنان اسمه "نيان" (كلمة نيان تعني سنة بالصينية)، وكان "نيان" المخيف بشكل رهيب يعيش في قاع البحر طوال السنة ولا يخرج إلى الشاطئ إلا في عشية العام الجديد فيأكل المواشي ويقتل الناس.

وبسبب ذلك، كان الناس في كل القرى يفرون عشية العام الجديد، ويأخذون صغارهم وشيوخهم إلى الجبال البعيدة لتجنب المأساة المتوقعة عندما يخرج "نيان"، إلا أنه ذات يوم، وبينما كان أهل قرية تسمى "زهور الخوخ" يتأهبون للاختباء، جاءهم من خارج القرية متسول عجوز يحمل في يده عصا وفي ذراعه حقيبة، وكانت عيناه تبرقان مثل النجوم ولحيته فضية اللون.

وأسرع القرويون الذين أصابهم الفزع للهروب، ومنهم من كان يغلق النوافذ والأبواب، ومنهم من كان يدفع المواشي والأغنام، وسط صياح الناس وصهيل الخيول، دون أن يلحظ أحد هذا المتسول إلا جدة عجوز تعيش في أقصى شرقي القرية أعطت المتسول لقيمات من الطعام ونصحته بأن يفر إلى الجبال ليتجنب الوحش، غير أن الرجل تحسس لحيته وقال مبتسما: "إذا سمحتم لي بالبقاء في داركم طوال الليل فسوف أبعد عنكم الوحش". نظرت إليه العجوز غير مصدقة، وحاولت أن تقنعه بالفرار ولكنه ابتسم من دون رد.

في النهاية لم تستطع الجدة المسنة إلا أن تفر إلى الجبل تاركة دارها، وفي منتصف الليل، اندفع "نيان" إلى القرية، فوجد الأجواء مختلفة تماما عما كانت في العام السابق، كانت دار الجدة في شرقي القرية ساطعة الأنوار وأبوابها مغطاة بأوراق حمراء، أصيب الوحش بصدمة فأطلق صرخة عالية غريبة، وحملق بغضب نحو الدار لبرهة، ثم اندفع حتى اقترب من الباب، فجأة انفجرت أصوات مفرقعات، توقف الوحش ولم يجرؤ على التقدم خطوة، بدا واضحا أن ما أخاف الوحش هو اللون الأحمر ولهيب النار والانفجارات، وعندما فتح باب دار الجدة العجوز، خرج المتسول في رداء أحمر ضاحكا في فناء الدار، أصيب الوحش بالهلع وفر هاربا.

وكان اليوم التالي هو أول يوم في أول شهر قمري، عندما عاد الناس من مخابئهم ووجدوا أن كل شيء على ما يرام، انتابتهم الدهشة، أدركت الجدة العجوز ما حدث وأخبرت أهل القرية عن وعد المتسول. تدفق القرويون إلى دار الجدة فرأوا الأبواب المغطاة بالأوراق الحمراء وأكوام الخيزران مازالت مشتعلة وتطلق أصوات فرقعة في الفناء، وبضع شمعات مازالت مضيئة في الغرف. انتشرت القصة وتحدث الناس عنها، واعتقدوا أن ذلك الرجل المتسول كائن سماوي جاء ليبعد عنهم المآسي ويجلب لهم البركات، وأن الأوراق الحمراء واللباس الأحمر والشمع الأحمر والألعاب النارية المتفجرة هي الأدوات السحرية لإبعاد الوحش "نيان".

ومنذ ذلك الحين، وفي عشية كل عام صيني جديد، صارت كل عائلة تلصق على باب منزلها أبيات من الشعر مكتوبة على أوراق حمراء، وتطلق الألعاب النارية وتجعل البيوت مضيئة وتبقى ساهرة، وفي الصباح الباكر لليوم الأول من العام الجديد، يرتدي الجميع ملابسهم وقبعاتهم الجديدة ويذهبون إلى أقاربهم وأصدقائهم لتهنئتهم بالعام الجديد.

وحيث إن مهرجان الربيع التقليدي يستمر لأكثر من شهر، فهناك إعداد مسبق لهذا المهرجان، إذ إن الناس تقوم في الأسبوع الأخير من "لا يويه" (الشهر الثاني عشر من التقويم القمري) بتنظيف المنزل، اعتقادا منهم بأن معظم الآلهة تعود إلى الجنة لتقديم تقرير عن أعمالهم مع نهاية العام، لذا يمكن للناس أن تنظف المنزل دون إزعاجهم أو الإساءة إليهم.

ويتم خلال الأسبوع الأخير من "لا يويه" الاحتفال بمهرجان "إله المطبخ" الذي يراقب سلوكيات الأسرة من حيث المأكل والشراب طوال العام، حيث تقوم الأسرة بتقديم قرابين خلال هذا الاحتفال تتضمن حرق الصورة القديمة لإله المطبخ ولصق صورة جديدة له، وتقديم قرابين تتضمن رأس خنزير وسمكة وفطيرة وفواكه متنوعة، حتى يقدم الإله تقريرا جيدا عن الأسرة عند صعوده للجنة لتقديم تقريره السنوي.

كما يقوم الصينيون خلال هذا الأسبوع بطهي اللحوم، وغسل الملابس والاستحمام، في صورة رمزية تعني غسل كل الحظ السيء والأمراض المحتملة خلال السنة القمرية الجديدة القادمة، مع توجه الناس قبل يوم من عشية رأس السنة القمرية إلى مقابر أسلافهم وحرق البخور تعبيرا عما يطلقون عليه "شياو" (البر)، أو طاعة الوالدين في الصين.

وتعتبر عشية العام القمري الجديد أهم يوم في لم الشمل العائلي طوال العام، حيث تجتمع الأسرة للاحتفال بالمهرجان، ويظل جميع أفراد العائلة لوقت متأخر انتظارا لبدء السنة الجديدة، فيما يحصل الأطفال على حزم حمراء، أو مظاريف حمراء، بداخلها نقود "عيدية" (يا سوي تشيان)، وغالبا تكون قيمة النقود متضمنة أرقاما تجلب الحظ مثل الرقم 8 الذي يقارب في النطق الفعل "فا" ويعني الثراء والغنى، أو الرقم 6 الذي ينطق "ليو" ويعبر عن التوفيق والنجاح، أو الرقم 9 الذي ينطق "جيو" ويعني الأمد والعمر الطويل.

ومع التطور التكنولوجي الكبير الذي تمر به الصين، تطورت ثقافة "الظرف الأحمر" لكي يصبح ظرفا إلكترونيا يتم تناقله عبر تطبيقات الـ "ويتشات" و "علي باي" وغيرها .

وفي اليوم الأول من "تشنغ يويه" (الشهر الأول من التقويم القمري)، يزور الناس منازل الأصدقاء والأقارب ويهنئون بعضهم البعض في العام الجديد، ويستخدمون الكلمات الميمونة للصلاة من أجل حظ سعيد في السنة الجديدة.

ويحافظ الصينيون على التقاليد الخاصة بالاحتفال بهذا العيد المهم، حيث يتم إضاءة المصابيح (الفوانيس) قبل العام القمري الصيني الجديد، وتظل معلقة حتى منتصف الشهر القمري، وتأخذ دائما اللون الأحمر الذي يرمز إلى الحماسة والقوة والحيوية، مع أداء رقصات تقليدية شهيرة كرقصة الأسد والتنين.

وحول أشهر الأكلات في أول يوم من عيد الربيع بالصين، نجد أن طبق "جياوتسي" الذي يعود لأكثر من 1800 عام هو الطبق التقليدي لعشية عيد الربيع، وهو شائع جدا في شمال الصين، ويشبه شكل "جياوتسي" سبيكة معدنية ذهبية صينية، وأكله يعني "جلب الثروة"، ويمكن للناس حشو هذا الطبق بكل أنواع الأطعمة التي يحبونها تعبيرا عن آمالهم الطيبة للعام الجديد.

كما أن هناك أكلات أخرى مثل "كرات الأرز الحلو"، و"كعك الأرز الصيني"، وحساء الدجاج الذي يرمز إلى السلام، و"الأسماك" حيث نطق "الأسماك" بالصينية هو نفس نطق كلمة "بقاء"، فيما يفضل البعض تناول "الحلويات" كوجبة أولى خلال عيد الربيع، ما يرمز أن الحياة جميلة وسعيدة في العام الجديد.