الحب والموت فى لندن (8)
الأحد 14/فبراير/2021 - 02:00 م
فى حقيبة المفاجآت قصة أخرى تتعلق بالتاج البريطاني نفسه!
فقد سافر الثرى "على كامل فهمى" - بصحبة زوج إحدى شقيقتيه - في رحلة قصيرة إلى ألمانيا لأمور تجارية، ليتيح للسفارة البريطانية فى باريس الفرصة التي تسعى إليها للاتصال بالأميرة "مارجريت فهمى" ومفاوضتها - بعيدًا عن آذان وعيون رجال زوجها - في موضوع شائك كان يثير قلق الدوائر البريطانية العليا - قبل خمسة شهور- وهو نبأ زواج "ماجى ميلر" العشيقة السابقة لأمير ويلز - ولى عهد إنجلترا - من أمير مصرى.
وبرغم أن هذه الدوائر قد تأكدت فيما بعد أن الشاب الذي تزوجته ليس من أمراء الأسرة المالكة المصرية، ولا علاقة له بالأفندية أو البكوات الذين يشاركون في قيادة ثورة 1919، أو يهتفون بسقوط الإنجليز في شوارع القاهرة، فإن بقاء رسائل عاطفية بخط ولى العهد بين يديّ امرأة أصبحت مصرية بالزواج، في ظروف التوتر المتصاعد في العلاقات بين مصر وبريطانيا، ظل مصدرًا لمخاوف وقلق البلاط الملكي البريطانى، خشية أن تقع هذه الرسائل من بين يدي الزوجة، أو أن تُستغل للتشهير بولي العهد، خاصة أن ظروف كتابتها لها في ميادين القتال أثناء الحرب العالمية الأولى كانت قد انعكست على بعض سطورها، مما قد يسبب كارثة للإمبراطورية البريطانية.
ودفعت "ماجى ميلر" الأمير العاشق - الذى كان يعاني من الوحدة في الخنادق، ومن الشوق إلى المرأة الجذابة- إلى الخلط في رسائله بين الحُب والحرب، وبين الشوق إلى شفتي حبيبته وبين أشواقه السياسية التي يتوقع تحقيقها بعد انتهاء الحرب، مما كان يمكن -لو أذيع ذلك- أن يثير مشكلات سياسية للبلد الذى يفخر بالتزامه الصارم بأن الملك يملك ولا يحكم .
وما إن علمت الإدارة البريطانية بوجود "ماجى" في باريس -في بداية مايو 1923- حتى قرر البلاط الملكى البريطاني إيفاد مبعوث رفيع المقام للمفاوضة معها في استرداد تلك الرسائل، زُوَّد بشواهد تدفعها للثقة بأنه مفوض من "أمير ويلز" للحديث معها في الموضوع، وبتعليمات تنص على أن تتم المفاوضة معها وحدها وبشكل مباشر، ومن دون علم زوجها، وعلي أن يستجيب المفوض -دون أدنى مساومة- لكل ما تطلبه "ماجى" مقابل إعادتها لتلك الرسائل.
وكان المبعوث البريطاني يتوقع ألا تفرط "ماجى" بسهولة فيما تحتفظ به من وثائق عاطفية وسياسية نادرة، وأن تقوده -بخبرتها كواحدة من بنات الهوى المحترفات- إلى سلسلة من المناورات لتدفعه للمزايدة على ثمن الخطابات إلى أن يرتفع هذا الثمن إلى أقصى ما تريد، ولذلك استعد لمفاوضات مجهدة وطويلة.
وكانت الصعوبة الأولى التي واجهت هذا المفوض هي الرقابة الصارمة التي فرضها عليها زوجها، وحالت دون بدء المفاوضة بالشروط المطلوبة، ثم اكتشف أنها الصعوبة الوحيدة، إذ ما كاد يتمكن أخيرًا من الالتقاء بها - أثناء رحلة الزوج القصيرة إلى ألمانيا - ويثبت لها أنه مبعوث من صديقها أمير ويلز، ويطلب إليها باسمه أن تعيد ما تحتفظ به من رسائله، حتى أذهلته باستجابتها السريعة للطلب وبإنهائها للمشكلة التى أقلقت البلاط البريطانى لمدة خمسة شهور، فى جلستين فقط، سلمت الرسائل فى الثانية منهما.
والحقيقة أن "ماجى" أثبتت أثناء هاتين الجلستين حصافة وذكاء بالغين وتصرفت بمنهج فتاة الليل العاشقة التي تفاجئ الرجل الذي قضى الليل معها، فتعيد إليه ما دفعه من نقود تعبيرًا عن شكرها لما منحه لها من متعة؛ إذ لم تضع أي شروط لإعادة الرسائل، ولم تشر أدنى إشارة لأى مطالب مالية مقابل تسليمها، وكان كل همها هو أن تتثبَّت من أنها ستعود إلى صاحبها، ولن تتسرب إلى طرف ثالث، ولم تطلب سوى إبلاغ الأمير تحياتها واحترامها وأسفها لحرمانها من رسائل تُذكِّرها بفترة من أسعد فترات حياتها !
ومهما تكن قيمة ما تلقته "ماجى" من عبارات الشكر وهدايا الامتنان، فإن الشكر الحقيقي الذي تلقته مقابل هذا التصرف النبيل كان إنقاذها - فيما بعد - من الجلوس على الكرسى الكهربائى.