السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

الحب والموت في لندن (11)

الثلاثاء 09/مارس/2021 - 01:32 م

بدأت المحاكمة فى قضية "مدام فهمى" يوم الثلاثاء 11 سبتمبر عام 1923 فى قاعة محكمةٍ صغيرة فى أولد بيلي فى العاصمة البريطانية لندن، حتى أن مراسل "الأهرام" يصفها فى أول تقاريره بأن عدد المتفرجين فيها لا يزيد عن عشرين مخصصة للمحامين والصحفيين وجمهرة قليلة حصلت على تذاكر الحضور، ويبدو أن المسؤولين عن المحاكمة تصوروا فى بداية الأمر أنها لن تكون سوى قضيةٍ عادية لن يقبل عليها أحد.. لكنهم كانوا على خطأ.

إذ إن تطورات المحاكمة خلال اليومين التاليين أدت إلى تهافت الجمهور على رؤية الجلسة، بحسب تعبير "الأهرام"، وأنه بعد امتلاء القاعة عن آخرها كان هناك طابورٌ بلغ عدد أفراده خمسين واقفين على باب القاعة ينتظر كل منهم خروج أى من الحضور ليحل محله .

ومن الطريف، وفق رواية الصحيفة، أن بعضـًا من هؤلاء كان يبيعُ مكانه لأحد المتلهفين على الحضور إذا اقترب دوره.

هيئة المحكمة ضمت إلى جانب القاضي والادعاء اثني عشر محلفـًا، وقد أوكل ورثة علي فهمي كمراقبين عبدالرحمن البيلي الذي أصبح فيما بعد وزيرًا للمالية، وكذلك الدكتور عبدالفتاح رجائى المحامى، والدكتور نور الدين رجائى، غير أن البطل الذى فرض وجوده على الجميع كان السير مارشال هول محامى المتهمة الذي قاد هيئة الدفاع المكونة من ثلاثة أفراد، فهو الرجل الذي حوّلَ القضية من جناية عادية لها أطرافها المحددون إلى محاكمة للعادات الشرقية، بكل ما ترتب على ذلك من أنها غدت قضية رأي عام انحاز فيها البريطانيون والفرنسيون إلى مدام مارجريت التي اعتبروها ضحيةً لتخلف الشرق وهمجيته (كذا)، في حين وقف المصريون ومعهم بعض العرب يدافعون عن عاداتهم وتقاليدهم، وكأن لا لقاء بين الطرفين.

وقبل التعرض لمرافعة هول التي شكّلت العمود الفقري للقضية فإن الخطة التي اتبعتها مارجريت للنجاة من عواقب قتل زوجها كانت متعددة الجوانب، فقد لجأت إلى هذا المحامي لمكانته الاجتماعية، وهو يحمل لقب سير، إضافة إلى شهرته العريضة في عالم المحاماة، على الرغم من الأتعاب الكبيرة التي كان يتقاضاها، والتي بلغت ثلاثة آلاف جنيه، وألفين لمساعده الأول، فضلًا عن خمسمئة لمساعده الثاني، وهي مبالغ ضخمة بتقديرات ذلك العصر.

وتذكر "الأهرام" أن مدام فهمي خصصت مبلغ 4500 جنيه للصحف في لندن وباريس "لجذب الرأي العام وتقوية شعور العطف عليها، وتجسيم شناعة الزوج الشرقي وما تعانيه الزوجة في مصر خاصة إذا كانت أوروبية متمدنة". وأشارت الصحف إلى أن مارجريت دفعت هذه المبالغ وأنفقت عن سعةٍ من أموال القتيل، كي تفلت من جريمة القتل، خصوصـًا أنها كانت تنحدر من أصول اجتماعية متواضعة؛ إذ كان والدها مجرد سائق محدود الدخل.

شهدت محاكمة مارجريت فهمي التي استمرت من 11 إلى 15 سبتمبر 1923 مفارقاتٍ عدة؛ إذ سعى محامي المتهمة السير مارشال هول إلى الدفاع عن موكلته باتهام زوجها بالتخلف والرجعية، وتأكيد أن مارجريت ضحية زواجٍ يشبه الجحيم، نظرًا لوحشية الزوج. 

لقد حشد مارشال هول مرافعته بالهجوم على القتيل أكثر من الدفاع عن القاتلة، فقد استغل بعض ما جاء في شهادة الشهود ليَسِمَه بالكذب حتى أمكنه أن يحمل مارجريت على القدوم إلى مصر، قائلًا إنه هناك "جعل يُريها قصره البديع وما عنده من الخدم والحشم وسياراته الممتازة ويخته وزورقه البخاري وجميع وسائل الرفاه"، يدفعه إلى كل ذلك ما ترسب داخله في العلاقات بين الشرق والغرب، "والإعجاب الذي ينظر به الرجل الشرقي إلى امرأةٍ غربية"!

وبالفعل نجح في كسب تعاطف المحلفين وهيئة المحكمة، في جريمةٍ ثابتة تبدو للوهلة الأولى مكتملة الأركان خصوصـًا في ظل اعتراف القاتلة بارتكابها.

وربما جاز القول إن دفاع هول ركز على أن علي كامل فهمي تزوج مارجريت ليضعها في المنزل كأنها كأسٌ تذكارية نالها في مسابقةٍ ما. سيدة فرنسية يسيل لها لعاب الرجال، لكنه تفوق عليهم وفاز بها، أخذ محامي الدفاع يبرهن على ما وصفه بهمجية الرجل الشرقي وبأنه وحش ضارٍ من خلال رصده العديد من أعمال الشاب الصغير علي كامل فهمي بك أثناء فترة زواجه القصيرة من السيدة الناضجة مارجريت، وبإشاراتٍ خطابية مؤثرة، على حد توصيف "مراسل الأهرام الخصوصى" الذي كان حاضرًا المحاكمة.

ومن ذلك أن علي كامل فهمي كان يحمل مسدسـًا يطلق منه الرصاص فوق رأسها "ليخيفها ويخضعها ويحملها على طاعته، شأن الزنجي مع المرأة؛ لأنه يعتبرها متاعـًا له". وقال محامي الدفاع إن المجني عليه كان ينام وتحت الوسادة مسدسٌ محشو بالرصاص لإرهابها.