دراسة للمستشار محمد خفاجى أمام مؤتمر حوار الأديان (1- 2)
الثلاثاء 16/مارس/2021 - 11:40 ص
يعد المؤتمر الدولي الحادي والثلاثين للمجلس الأعلى للشئون الإسلامية بوزارة الأوقاف المصرية الذى عُقد فى الفترة من 13 لـ 14 مارس 2021، تحت عنوان: "حوار الأديان والثقافات"، تأكيدًا على دور القيادات الدينية البناءة فى البلاد العربية والإسلامية وغيرها من الدول فى توفير الحلول الفعالة والنافعة للأمة العربية ومصر فى قلبها النابض، وسائر أقطار العالم غربه وشرقه الذى ناله قسط من التطرف والإرهاب مواجهة التطرف الديني والإيديولوجي ومكافحة الإرهاب وكذلك لبناء أسس التعايش وقواعد السلام الإنسانى بين المجتمعات الإنسانية.
ونعرض للجزء الأول من دراسة المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة، بعنوان "حوار الأديان وأثره فى مكافحة التطرف والإرهاب وصنع السلام الإنسانى" التى ألقاها فى ذلك المؤتمر فى النقاط التالية:
أولاً: رعاية الرئيس السيسى للمؤتمر يعكس نظرة القيادة المصرية الحكيمة لأهمية قضية حوار الأديان والثقافات، وتفعيلا لدور العلماء تجاه أوطانهم:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن ما أعلنه الوزير الكفء معالى الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف المصرى الذى يعد علامة بارزة فى تاريخ مصر الحديث فى النشاط الدعوى المستنير بانفتاحه على العالم العربى والإفريقى والغربى وانتهاجه أساليب مستحدثة غير تقليدية ومتطورة لتجديد أساليب الخطاب الدينى تتفق وطبيعة الشريعة الإسلامية الصالحة لكل زمان ومكان - عن رعاية الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس جمهورية مصر العربية لهذا المؤتمر، وهو ما يعكس نظرة القيادة المصرية الحكيمة لأهمية قضية حوار الأديان والثقافات، وتفعيلا لدور العلماء تجاه أوطانهم، وقد تضمن المؤتمر ستة محاور رئيسية لأهل العلم والفقه والفكر، لعل ما يدخل فى تخصصنا البحثى هو المحور الخامس المتعلق بأثر حوار الأديان البناء في مكافحة الإرهاب وصنع السلام الإنساني.
إن المتتبع لحوادث الإرهاب على المستوى الدولى يجد أنها تمثل أيديولوجيات دينية متطرفة تتناقض مع الطبيعة الإنسانية للأديان التى لم تستثن منها مجتمعا عربيا أو أوروبيا أو شرقيا أو غربيا فالإرهاب لا دين له ولا وطن، وهى فى حقيقتها ناجمة عن التشدد في المفاهيم العقائدية والدينية للمتطرفين باستغلال الدين بمفاهيم مغلوطة بعيدة عن السماحة والسلام التى من أجلها قامت الرسالات، مما يظهر الحاجة ماسة للحوار بين أصحاب الأديان الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلام، لتصحيح مقاصد الأديان حتى تعود القيم الروحية بين المجتمعات والتعاون البناء المتبادل بين الشعوب ويرفرف الاستقرار ويشرق الأمان مع فجر جديد.
وإن الحوار بين أصحاب الأديان يجب أن يقوم على فلسفة معينة ليكون تأثيره على صنع السلام الإنسانى فعالًا ومنجزًا وعلى الوجه الأخر - الأشد فتكا بالمجتمعات - يكون ذلك الحوار سدًا منيعًا يحمى تلك المجتمعات من التطرف والإرهاب.
ثانيًا: التوجيه الإلهى للتعارف للناس كافة المعروف مجازًا بقانون التعارف يفضى إلى التعايش السلمي المشترك للإنسانية لإزالة الفوارق وتعميق القوارب:
يقول الدكتور محمد خفاجى أن قضية حوار الأديان والثقافات هى قضية التسامح والتعايش المشترك والسلام الإنسانى، ذلك أن المجتمعات الإنسانية تقوم على التنوع والاختلاف لا الخلاف ويجب أن تتكامل وتتشارك فى كافة المجالات وعلى قمتها الفطرة السليمة للفكر الإنسانى، فالحوار بين أصحاب الأديان والثقافات المتباينة على مستوى دول العالم يعمق بناء جسور التعاون والتفاهم البشرى حول تحقيق الصالح العام للإنسانية، وهذا لن يحدث إلا بالتلاقى بين الأفكار والأيديولوجيات لإزالة الفوارق وتعميق القوارب.
وهو ما تدعو إليه الشريعة الإسلامية الغراء من خلال اَيتين كريمتين الأولى حين وجه الله عزوجل وجل الخطاب للبشرية كافة بقوله تعالى فى محكم التنزيل: " يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا" (سورة الحجرات: الآية 13 )، والثانية حين قال الله عزوجل: " تَعَالَوْا إِلَىَ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ" (سورة آل عمران: الآية 84) وهذا التوجيه الإلهى للتعارف بالدعوة الربانية لكلمة سواء مما يعرف عند قاموس البشر مجازًا بقانون التعارف للناس كافة سواء اتخذ تجمعهم شكل القبائل أو الدول أو الأوطان أو الأمم أو القارات على تطور الحياة هو الذى يفضى إلى الحوار والتقارب واحترام الغير، ومما لا ريب فيه أنه من مقاصد الأديان التعايش السلمي المشترك للإنسانية والاعتدال وهو ما يؤدى إلى الفهم الصحيح للأديان على نحو يتلافى مما تستغله جماعات الفتنة والضلال والتطرف، بالمخالفة لمقاصد الأديان نحو تسييس الدين فيحدث التطرف والعنف والإرهاب.
ثالثًا: السلام لن يتحقق بين الأمم دون السلام بين الأديان والسلام بين الأديان لن يتحقق دون حوار بين أصحاب الأديان أنفسهم فالدين يعد جسرا اَمنا ومعبرا مطمئنًا للتلاقي والتعارف بين شعوب الأرض جمعاء:
يقول الدكتور محمد خفاجى، إن أيديولوجية التطرف والإرهاب تتناقض تناقضًا صارخًا مع الطبيعة الروحية للأديان، ويشهد العالم حالات غير مسبوقة من التطرف العنيف والإرهاب بكل أشكاله وصوره، مما يؤثر على الروح الدينية للعقائد، ويهدد الاستقرار فى المجتمعات ويمس سلامة الأمن والسلم الدوليين، والواقع أنه لن يتحقق السلام بين الأمم دون السلام بين الأديان، ولن يتحقق السلام بين الأديان دون حوار بين أصحاب الأديان أنفسهم، فيجب أن يكون الدين جسرا اَمنا ومعبرا مطمئنًا للتلاقي والتعارف بين شعوب الأرض جمعاء، فذلك هو السبيل لمكافحة الفكر المتطرف الإرهابى الذى ينسف جسور التعاون ويهدم معابر التواصل الإنسانى للبشرية.
رابعًا: إشكالية حوار الأديان بين أصحاب الديانة اليهودية والديانتين المسيحية والإسلام ودور قادة الدين والقدس معضلة الخلاف:
يذكر الدكتور محمد خفاجى أن مصطلح الحوار في المفهوم الإسلامي هو حوار الدعوة إلى السلام وهو مطلب شرعي إسلامى، وهو أيضًا وسيلة من وسائل دعوة أصحاب الأديان السماوية الثلاثة، ذلك أن أول من مارس الحوار هم الأنبياء الكرام مع أقوامهم الذين بعثوا نذيرا لهم لطاعة الله وتوحيده، وإن كان ذلك بطرق متباينة وأساليب متنوعة، ويجب التأكيد على أن الحوار بين الأديان يهدف فى الأساس إلى تحقيق التعايش السلمي بين الإسلام والأديان الأخرى اليهودية والمسيحية، وإذا كان الحوار بين أصحاب الديانتين الإسلام والمسيحية الأرجح تيسيرًا، إذ بفضل التعايش اليومى لكلاهما فى معظم المجتمعات مكنهما من ذلك التيسير، فإن الحوار بين أصحاب الديانتين الإسلام والمسيحية من ناحية وأصحاب الديانة اليهودية من ناحية أخرى هو الأكثر تعسيرا، وربما كان ذلك لكون أصحاب اليهودية أكثر تغلقًا عن الحوار وهى حالة بالغة التعقيد، والتى يرى البعض من العلماء أنها راجعة إلى بعض النصوص المقدسة في التوراة.
ويضيف الرأى عندى أن الوضع الدينى للقدس هو سبب صعوبة حوار الأديان بين الإسلام والمسيحية وبين اليهودية نظرا لأن القدس تحتل مكانة متميزة في قلوب المسلمين والمسيحيين واليهود، حيث يتحدث التاريخ عن قرون طويلة من التعايش، وأيضا من النزاع فيما بينهم حول هذه المدينة، والاتفاق بين المسلمين والمسيحيين واليهود على أن القدس مدينة مقدسة، فاليهود يعتبرونها موطنهم الأصلى وبؤرة إيمانهم، ويرى المسيحيون فيها أرضا مقدسة عاش فيها عيسى عليه السلام ويجب أن يؤمها الحجاج، بينما يرى المسلمون الأهمية القصوى للقدس فى المسجد الأقصى الكائن بها بمكانته الجليلة في الإسلام فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين ومسرى النبي محمد صلى الله عليه وسلم. لذلك على يقع على قادة رجال الدين أنفسهم وليس رجال السياسة فك رموز هذا الإشكال لتحقيق غايات الحوار.
خامسًا: نقطة الانطلاق فى حوار الأديان نظرة الإسلام إلى احترام اختلاف الأمم:
يقول الدكتور خفاجى إن نقطة الانطلاق فى حوار الأديان يكمن فى نظرة الإسلام إلى احترام اختلاف الأمم، ذلك أن اختلاف الناس في أديانهم وعقائدهم سنة قدرها الله رب العالمين، لحكمة جليلة وغاية مثلى هي الاختبار والرحمة إعمالًا لقوله تعالى: " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ، إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ" ( الاَيتين: 118، 119 من سورة هود )، والمقصود بالاختلاف هنا هو الاختلاف في العقيدة والدين على أكثر الأقوال (يراجع تفسير الجلالين صفحة 482) وليس في اللون أو الجنس أو الأصل أو العرق أو اللغة أو غيرها من صور المفارقة.
سادسًا: الدستور المصرى يقوم على احترام الديانات الثلاث وهو أساس الحوار فيما بينها ومصر على مر العصور رمزا للتعايش بين مختلف الديانات:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن الدستور المصرى يقوم على احترام الديانات الثلاث وهو أساس الحوار فيما بينها، فبعد أن وضعت المادة الثانية من الدستور المبدأ العام فى جعل الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع، جاءت المادة الثالثة حاسمة بالاعتراف باحترام الديانتين المسيحية واليهودية، فقد اعتبرت مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدرالرئيسى للتشريعات المنظِّمة لأحوالهم الشخصية، وشئونهم الدينية، واختيار قياداتهم الروحية، ولا ريب أن هذه النظرة الدستورية فى احترم أصحاب الديانات الثلاث كفيلة بتحقيق أساس الحوار البناء فيما بينهم. ويمكن القول بأن مصر دولة إسلامية لكنها تضمن حرية ممارسة الشئون والشعائر الدينية لغير المسلمين وفقا للدستور، ومصر على مر العصور رمزًا للتعايش بين مختلف الديانات، حيث يعيش فيها بكل الأمان والطمأنينة أخوة من المسيحيين وأقلية من المنتمين لليهودية، وبذلك تصبح أرض الكنانة جسرا للتواصل الحضاري والثقافي مع مختلف أصحاب الأديان.
سابعًا: حوار الأديان يقوم على بناء مجتمع مدني يتميز بالتعدد:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن حوار الأديان يقوم على بناء مجتمع مدني يتميز بالتعدد تسوده قيم التسامح والتعايش المشترك من خلال خطاب حضارى لجميع البشرية وفقًا للقيم السمحاء والمبادئ الميسرة التى أتت بها الأديان واحترام كل ديانة للأخرى، وهو ما يؤدى إلى خلق ثقافة التسامح الديني من كل طرف تجاه الأخر، وثقافة التعايش والحوار بين الأديان والثقافات وترسيخ أواصر المحبة والعدالة بين مختلف المجتمعات، وهذا يستلزم بالضرورة ألا يُفهم الدين بعيدًا عن صالح الإنسان من خلال حقائق التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية كما يتطلب تحرير فهم الدين من التشدد والتعصب والعدوان، وتجفيف المنابع الفكرية التي تدعو إلى الاستبداد والعنف، ونشر قيم الدين الصحيحة. فالحوار يعد مطلبًا قرآنيًا " قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء" بما يحقق مصلحة الإنسان، ويقضي على أسباب العنف والتعصب، حتى تتحقق فرص التعايش السلمي بين البشرية جمعاء.
ثامنًا: حوار الأديان وليس اندماج الأديان ومساحة الحوار بين الأديان تتسع ولا تضيق لقيم المواطنة العالمية:
يقول الدكتور محمد خفاجى إن المقصود هنا هو حوار الأديان وليس اندماج الأديان، فالإسلام يدعو إلى الإيمان بكل الكتب والأنبياء "لا نفرق بين أحد من رسله"، فلا يتخلى أحد عن دينه ومعتقداته إلا بإرادته وفى ضوء النظام العام لكل دولة، والواقع أن اليهود والمسيحيين والمسلمين بحاجة إلى فهم دقيق واستيعاب لمقاصد الكتب السماوية وتطبيقاتها فى الحياة العملية لبناء حضاراتهم ودولهم، على هذا النحو الذى يحفظ لكل طرف عقائده وثقافته دون أن يسبب أذى بالآخرين، وأن مساحة حوار الأديان تتسع ولا تضيق لقيم المواطنة العالمية القائمة على الأمن والسلام في العالم، ومن ثم يجب أن يقتصر حوار الديانات على التعريف بمبادئ كل ديانة، ولا يمتد إلى الدفاع عن علوها على الآخرين، بل يشتمل على أسس السلام العالمي ونبذ الحروب وخطاب الكراهية والعنف ومكافحة الفوارق الاجتماعية وصيانة كرامة وحقوق الإنسان بحثا عن خطوط متلاصقة للتلاقي والتعايش السلمى للجميع.