حكم نهائى يضع الأطر القانونية لاَداب التخاطب الإعلامى ويحظر التراشق والإسقاط
الإثنين 29/مارس/2021 - 12:06 م
انتشرت فى الاَونة الأخيرة واقعة قيام أحد الإعلاميين بالتهكم على فئة عريقة من فئات الشعب المصرى مما كان له مردود شعبى كبير الأثر بالاستنكار على وسائل التواصل الاجتماعى الفيسبوك، ثم جاءت واقعة قيام أحد الأكاديميين فى الشأن الإعلامى بكتابة سبع مقالات على ذات وسائل التواصل الاجتماعى ينتقد فيها الإعلام المصرى فيما يراه هو نقدا متخصصًا، بينما يراه أهل الإعلام جارحا ومتجاوزا حدود حرية الرأى خاصة أنه تناول فيها بالسخرية والتهكم أربعة من الإعلاميين واصفا لهم بألفاظ تتعدى الحدود الموضوعية لحق التعبير والنقد؛ ترتب عليه قيام البعض بالرد عليه دفاعا مما تثور معه المسئولية عن التراشق الإعلامى والإسقاط .
ويلعب القضاء المصرى دورا بارزا فى حماية القيم المهنية الإعلامية، ففى حكم قضائى تاريخى تناول بدقة مفاهيم الأصول المهنية واَدابها للإعلاميين فى الحقل الإعلامى ووضع أطراً للتعبير القانونى المباح سواء فيما بينهم وبين الجمهور أو فيما بينهم بعضهم البعض وأوجب الالتزام بالمظهر الإعلامى اللائق في الآداء بالقول أو الكتابة ومنع ما يدعو إلي الانحلال أو التفكك أو السخرية المُهينة أو ما يدعو الشعب للاحباط، أصدره القاضى الجليل المستشار الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى رئيس محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية منذ 5 سنوات وأصبح نهائيا وباتا بعدم طعن مجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون عليه أمام المحكمة الإدارية العليا، وقد اعتبر المهتمون بالشأن الإعلامى هذا الحكم من أدبيات القضاء المصرى يدخل فى الزمن الكلاسيكى للمستوى الرفيع للأحكام القضائية التى تصيغ بعمق أسس الاَداء المهنى لكافة المشتغلين بالإعلام يجب أن يُدرس.
وأكدت المحكمة على الالتزام بالمظهر الإعلامى اللائق فى الآداء بالقول أو الكتابة ومنع ما يدعو إلى الانحلال أو التفكك أو السخرية المُهينة أو ما يدعو الشعب للاحباط، وأن المشتغلين بالإعلام شركاء فى مسئولية الكلمة واحترام آداب الزمالة جزء من الضمير العام وعدم التجريح أو الخروج عن حدود التعبير القانونى المباح، وأنه ليس فى مقدور أحد من المشتغلين بالإعلام أن يدعي احتكار الحقيقة أو الاستئثار بالصواب والتعددية الإعلامية ضرورة ويجب الكف عن ملاحقة الإعلاميين من زملائهم؛ بسبب ما يقدمونه للناس من أنباء وآراء لتغليب مصلحة الوطن ومراعاة مقتضيات الأمن القومى والحرص على مشاعر الجماهير .
وقالت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية برئاسة الدكتور محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، إن مبدأ حرية واستقلال الإعلام أضحى من المبادئ الدستورية لتؤدي وسائل الإعلام رسالتها في خدمة المجتمع والتعبير عن اتجاهات الرأي العام والإسهام في تكوينه وتوجيهه في إطار المقومات الأساسية للدولة والمجتمع والحفاظ علي الحقوق والحريات والواجبات العامة وإحترام حرمة الحياة الخاصة للمواطنين ومقتضيات الأمن القومي ، والرقابة علي ما تنشره وسائل الإعلام محظورة باستثناء ما يفرض عليها من رقابة محددة في زمن الحرب أو التعبئة العامة , وضماناً لمبدأ حرية الاعلام وإستقلاله حرص الدستور علي أن يتولى المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام تنظيم شئون البث المسموع والمرئي وتنظيم الصحافة المطبوعة والرقمية وغيرها وألقي علي عاتقه المسئولية الكاملة عن ضمان حرية الصحافة والإعلام بمختلف صوره وأشكاله والمحافظة علي تعدديته وعدم تركزه أو احتكاره ، والمسئولية أيضا عن حماية مصالح الجمهور فضلا عن مسئوليته عن وضع الضوابط والمعايير الكفيلة بالتزام وسائل الإعلام المختلفة بأصول المهنة وأخلاقياتها مراعاة لقيم المجتمع وتقاليده البناءة.
وأضافت المحكمة أن التجربة الإعلامية كشفت عن كثير من التجاوزات فى الخطاب الإعلامى عقب ثورة الشعب مما يتعين معه رسم الأطر القانونية لاَداب التخاطب الإعلامى وحظر التراشق والإسقاط، فعلى العاملين فى الحقل الإعلامى حماية مصالح الجمهور والالتزام بالضوابط والمعايير الكفيلة بمراعاة أصول المهنة وأخلاقياتها ومراعاة قيم المجتمع وتقاليده البناءة، كما يجب الالتزام بميثاق الشرف لمهنة الإعلام لكافة المشتغلين به بإعتبار الإعلاميين شركاء في مسئولية الكلمة بما يتماشى مع الضمير الإنساني وعلي القمة منها تقديم المعلومات الصحيحة للشعب في حينها وعرض وجهات النظر المختلفة عرضا متوازنا أميناً في كافة الموضوعات التي تهم الشعب دون تحيز أو تحزب أو اثارة، واحترام القيم الدينية السمحاء والقومية والمشاركة في تنوير الرأي العام وتشكيل الذوق العام تشكيلا سليما ومراعاة حرمة الأسر.
وأشارت المحكمة أنه يتعين على الإعلاميين سواء فيما بينهم والجمهور أو فيما بينهم بعضهم البعض الالتزام بالمظهر اللائق في الآداء بالقول أو بالمظهر أو الكتابة ومنع إذاعة ما يدعو إلي الانحلال أو التفكك أو السخرية المُهينة أو ما يدعو الشعب للاحباط فى عملهم الإعلامي، فضلا عن وجوب احترام آداب الزمالة في الحقل الإعلامي وهى جزء فى الضمير العام خاصة عدم تجريح البعض للبعض الآخر وعدم الخروج عن حدود التعبير القانونى المباح، ذلك أن ميثاق شرف مهنة الإعلام ضرورة دستورية وقانونية ومجتمعية ملحة يجب أن يلتزم الإعلاميون به بأنفسهم على مختلف المدارس الإعلامية وتنوعاتها، والتزامهم به ينبغى أن يكون نابعا منهم دون وصاية من أحد إلا في حالة خرق قواعده ففى تلك الحالة يجب التدخل وتحقيق المسئولية لتنفيذ حكم القانون وسيادته .
وأوضحت المحكمة أن مبدأ حرية الإعلام واستقلاله الذى بات من المبادئ الأساسية فى الأنظمة الديمقراطية الحديثة يعني حق الشعب في أن يتابع مجريات الحوادث والأفكار وتوجيهها بما يتفق وإرادته ، فحرية الإعلام هي امتداد لحرية الشعب وهي تساهم بتأثير قوي في تكوين الرأي العام أو توجيهه ، ويعتمد علي ما يقدمه للناس من آراء وأنباء وتدفق موثق للمعلومات، وحرية الإعلام واستقلاله علي النحو المتقدم ترتبط بحرية الرأي فهي وجه من وجوه الرأي ولازمة من لوازمها، بحسبان أن حرية الرأي هي أم الحريات وأقدسها وهي منبت الديمقراطية وتجسيدا حقيقيا لها لكنها تتقيد بحدود الإباحة دون تجاوز إلى نطاق التجريم , والإعلام يقوم بوظيفته الأساسية في الوفاء بحق الشعب في المعرفة فضلاً عما يجب أن يقوم به من أدوار أخرى في مجال التثقيف والتنوير والتوجيه ليبسط الحقيقة امام الشعب وتبصيره بما يجري حوله ، مما يلقي علي عاتق الإعلام المسئولية لإشاعة المعرفة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحيث يكون المواطن علي بصيرة ويحدد موقفه مما يجري حوله باعتبار أن الديمقراطية هي المعرفة قبل أي شئ آخر.
وأستطردت المحكمة أنه علي هدى ما كشفت عنه وسائل التكنولوجيا والتقنيات الحديثة في مجال الإعلام فإنه ليس في مقدور أحد من وسائل الإعلام المختلفة والمشتغلين به أن يدعي احتكار الحقيقة أو الاستئثار بالصواب لذا فإنه إذا كانت التعددية السياسية ضرورة لازمة للمجتمع الديمقراطي فإن التعددية الإعلامية ضرورة أكثر لزوما للمجتمع الديمقراطي بما يتوجبه ذلك من وجوب اسقاط كافة المفردات التي تنال من استقلال الإعلام وحريته وأهمها الكف عن ملاحقة الإعلاميين من غيرهم بسبب ما يقدمونه للناس من أنباء وآراء بحسبان أن الوظيفة الأصلية للإعلام هي تحقيق الرأي والرأي الآخر بالموضوعية واضعين نصب أعينهم مصلحة الوطن ومراعاة مقتضيات الأمن القومى والحرص على مشاعر الجماهير وبغير ذلك ستظل حرية الإعلام واستقلاله أمراً منقوصاً.
واختتمت المحكمة أنه لما كان الإعلام أصبح جزءا لا يتجزأ من ضمير الناس يشكل تكوين الرأي العام الذي يترك انعكاساته علي الشعب في النواحي الفكرية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية فهو يعد من أهم وسائل التواصل المجتمعي خاصة وأن الإعلام الإلكتروني، واَداب مهنة الإعلام تقتضيها مصلحة الوطن وتعطيلها هو تعطيل لضمير الأمة الذي يجب ألا يتأخر برهة من الوقت، لتكون مراَة صادقة تعكس كل حسن دون تقبح لتحتفظ مصر بمركز الريادة الذي كان لها عن استحقاق وجدارة.