تجار الغيب
الخميس 08/أبريل/2021 - 04:46 م
ظهرت فجأة بملابسها السوداء نصف المهترئة وطرحتها التي يبدو أنها ترتديها دائما دون مراعاة التوفيق بين ألوان ملابسها، أية ألوان هذه التى ستراعيها وهى لا ترتدى سوى الغوامق التى تستر البقع والعرق وقلة الاهتمام، تمسك بيدها طفلا يرتدى ملابسا نظيفة متناسقة تسر الناظر إليه لكنه يرتدى فى قدمه "شبشب" لا يليق مع باقى ملابسه، لفت التناقض الغريب بينها وبين الماسك بيدها دون أيه مقاومة أنظار الأفراد الذين ينتظرون فى ميكروباص "دار السلام" وصول الراكب الأخير لتتحرك السيارة.
أثناء وقوفها أمام عربة مكتوب عليها "مثلجات أبو وليد" بالموقف ينادى صاحبها بمليء صوته "تمرررر هندييي" حاول الركاب قتل الوقت والانتظار بتبادل الآراء حول حقيقة علاقة تلك السيدة بهذا الطفل صاحب الهيئة النظيفة، قالت سيدة عجوز "الله أعلم تلاقيها خطفاه وهتبيع أعضائه"، بينما أكد شخص آخر على أنها من المؤكد تستغله فى أعمال التسول، وتأهب أحد الركاب لطلب النجدة والإبلاغ عن مكانها لولا تحركها ناحية السيارة فتوقف الجميع عن الكلام.
اتجهت السيدة وهى تحمل "كيس تمر" واحد وحيد لم تشرب منه وفى اليد الأخر تمسك طفلها للسيارة وتسائلت "دار السلام يا جماعة؟" لم يجبها أحدا فجاء صوت السائق الرخيم الجالس بجوار السيارة مع أحد زملاء المهنة "ايوة اركبي عشان نطلع".
تحركت السيارة وسط زحام الموقف وأصوات الباعة التى اختفت تدريجياً ثم بدأوا الركاب فى جمع الأجرة، "هاخده على رجلى ياسطى الله يخليك" كانت إجابة تلك السيدة على سؤال السايق لها هل ستأخذ كرسي واحد أم أثنين لها وللطفل، استفز ذلك أحد الركاب ليتهامس مع من جواره ويقول لها "جايبة كيس تمر لنفسها بس وحتى مستخسرة فيه يقعد على كرسي، اكيد خطفاه وبتشحت بيه، طب دا حتى بيكسبوا" .
ظلت طوال منتصف الطريق شاردة تنظر للطريق دون كلمة ولاتشعر هى بشكوك من حولها، تركها لكيس "التمر" للطفل ونصف ابتسامتها له أثار فضول الركاب أكثر ولم يجب على أسئلتهم التى تدور فى عقل كل راكب على حدى رغم تشابهها، لم يقطع شرودها سوى رنة هاتفها القديم المتهالك ذوا الازرار المتآكلة، يبدو على وجهها التوتر وعدم الرغبة فى الرد، كان واضحا للركاب ذلك لأنها لم تجب مباشرة، لكنها في النهاية أجابت.
ضغطت السيدة على زر الرد وبدأت تتحدث بنبرة المدافع عن نفسه "مين اللي قال كدة؟ ياخد مين؟ مش هيحصل طول مانا عايشة، دا بيلبس أحسن لبس وخلاص هدفعله مصاريف المدرسة بكرة وهفضل أصرف عليه لحد ما أموت، قوليله يشيل الموضوع دا من دماغه"، رغم اندهاش الجميع إلا أنها مازلت لا تشعر بوجودهم، انتهى الطفل من شرب التمر بأكمله ليخبط على يديها ويقول "نسيت اسيبلك حبة".. "ولا يهمك يا حبيبي بألف هنا على قلبك" هكذا أجابته.
كان واضحا أن سبب صمته طوال الطريق هو انشغاله بالمشروب اللذيذ الذى استمتع به وتباطء فى الإنتهاء منه، لأنه لم يصمت بعدها أبدًا، قال لها "أنا أصلا زعلان منك، فين الكوتشا اللى قولتيلى عليه" لتجيبه قبل أن تصل السيارة لموقف دار السلام" معلش يا حبيبي أحنا رايحين أهو ناخد الـ300 جنيه فلوس الجمعية وهجبلك الكوتشى وأدفعلك المصاريف عشان تروح المدرسة من يوم السبت.