الإثنين 25 نوفمبر 2024 الموافق 23 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
حوادث

"خفاجى": اهتمام الرئيس السيسى بتاريخ مصر من سمات الحكم الرشيد

الإثنين 12/أبريل/2021 - 11:18 ص
صورة من الحدث
صورة من الحدث

فى أحدث دراسات المستشار محمد عبد الوهاب خفاجى، نائب رئيس مجلس الدولة، عن "إرساء النظام الفرعونى لسيادة القانون وأصول الحق ومقتضيات العدالة وحدث نقل الموميات"، بمناسبة حدث استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسى موكب نقل المومياوات الملكية 22 مومياء للملوك القدماء (18 مومياء ملوك و4 موميات ملكات) من المتحف المصرى بالتحرير إلى متحف الحضارة الذى تزامن افتتاحه مع الحدث التاريخى فى 3 أبريل 2021 الماضى.

ويقول "خفاجى"، أن هذا الحدث فى العصر المعاصر يعد من سمات الحكم الرشيد، وأكد أن الحضارة الفرعونية علمت الدنيا أسس الحكم الرشيد بسيادة القانون والعدالة والتعايش السلمى"، وذكر أيضًا فى دراسته الحديثة المنبثقة من رسالته للدكتوراه التى حصل عليها منذ ربع قرن من الزمن عن الأساس التاريخى والفلسفى لمبدأ الفصل بين السلطات، أن سلطات الملك الفرعونى رغم اتصافها بالإطلاق في ممارستها، إلا أنها ظلت مقيدة بالبحث عن أصول الحق ومقتضيات العدالة وروح الحقيقة، فإن اتبعها الملك وعمل على هُداها.

وترتب علي ذلك الرضاء عنه بصفة أبدية، من جانب أجداده الاَلهة، ومن ثم يرقي إلى مصاف الاَلهة ذات الخلود الأبدى، وهكذا ظلت فكرة العداله قيداً حقيقياً يرد على سلطات الملك المطلقة، فهو وإن كان يجمع بين قبضة يديه كل السلطات، إلا أن سلطاته كان لابد أن تسير فى محراب العدالة التى أضحت ضمانة جوهرية قوية لسلطات الملك حالت دن وقوع الاستبداد.

وبذلك أصبحت جزءاً مهماً من مجموعة الأسس التى من شأنها أن ساهمت فى إقامة نظام بديل لغياب مبدأ الفصل بين السلطات، ذلك أنه إذا كان من شأن توزيع الاختصاصات على ثلاث سلطات فى الدول المعاصرة بأن تختص كل سلطة بممارسة وظيفة محددة للحيلولة دون وقوع الاستبداد، فإنه يمكن القول بأن التزام الملك في مصر الفرعونية بضرورة سعيه نحو إدراك العدالة وتحقيق أهدافها ومراميها كانت السياج الواقى لينعم شعبه بالاستقرار ويحقق ذات الغايات.

وأضاف المستشار فى الدراسة، أنه نظراً لأهمية وقداسة العدالة لدى المصريين القدماء، خاصة فى مجال ممارسة السلطات، فلقد كان الملك يقدم كل يوم تمثال العدالة  "Maat" قرباناً للاَلهة التى حظيت بنظرات التقديس والإجلال لدى المصريين القدماء حتى لقبت بأنها إبنة الإله "رع" وسيدة السماء وحاكمة القطرين وعين الإله "رع" التى لا مثيل لها، وانبثاقاً من الإحساس الفطرى للمصريين القدماء بفكرة العدالة فقد روت لنا بعض الوثائق تعبيراً بليغاً شاملاً لمعنى العدالة ، والصادر من أحد فراعنة مصر، إذ يقول "إن العدالة هى خبزى وأنى أشرب دائماً من نداها " .

وأشار أن الوثائق التاريخية تحمل إلينا نصائح أحد كبار الموظفين فى الدولة الفرعونية لإبنه  تتضمن معنى العدالة، بوصفها صمام الأمان لسلطاته، ففى الوثيقة قال الأب لإبنه - كما ذكر العالم الألمانى "أرمان"  – "الإله قد خلق الإنسان من تراب ومن قش"، ثم يركز على الأمانة والدقة فى العمل فيقول:"لا تغمس قلمك فى المحبرة لإيذاء أى شخص، لا تغش فى المقاييس أو الأوزان ولا ترتشى." ثم يتحدث عن العدل فيقول:" أقض بالعدل بين الناس ولا تظلم الضعيف لصالح الغنى". 

ويمضى الأب فى وثيقته المذكورة قائلاً : "إن جميع ما تفعله فى غير عدالة لن يجلب لك بركة . إذ أن مكيالاً واحداً يعطيه الإله خير من خمسة آلاف تكتسبها بغير حق .إذا جاءك أحد بثروة غير مشروعة فإنها لن تبقى معك ليلة واحدة ، عند طلوع الصباح ، لن تكون فى بيتك، وخير للإنسان قلب راض من غنى مقرون بالهموم. لا تتخذ سفينة على نهر لتتكسب عن طريقها أجر عبوره ، ولا تقبل ثمناً لذلك إلا القادرين ، أما غير القادرين فلا تتقاضى منه شيئاً ، وانقل فى مركبك كل من يطلب العبور طالما كان فيها مكان". وينهى الأب نصيحته لإبنه – كما ورد بالوثيقة المذكورة – بقوله : "كن رحيماً فى كل شيء ، فلا تهزأ بالأعمى ، ولا تسخر من الفقير ، ولا تغضب على رجل ارتكب هفوة...". إن التأمل  فى هذه الوثيقة يعلمنا كيف كانت العدالة ينبوعاً ينهل منه الملك فى مصر الفرعونية ليكون شرياناً فى حياة المصريين.

ويوضح الدكتور أن مصر الفرعونية أول دولة فى التاريخ الإنسانى تعرف مبدأ سيادة القانون منذ اَلاف السنين قبل أن تعرفه المدنية الحديثة , فتروى لنا إحدى الوثائق إبان نصح الملك لأحد وزرائه فى خطاب تعيينه بأن يحرص على مراعاة العدل بقوله : "أنظر عندما يأتى شاكى من مصر العليا أو السفلى ، عليك أن تتأكد من أن كل شيء يتم طبقاً للقانون ....إن كل امرىء يحصل على حقه، إن ما يحبه الإله هو أن يتحقق العدل ، أما ما يمقته الإله هو أن يٌحابى جانب أكثر من الجانب الآخر".ومن الوثائق التى تحث على العدالة كذلك ، نصائح الملك "خيتى الرابع" ، أحد ملوك الأسرة العاشرة ، لإبنه "مريكا ورع" وهو يعظه بقوله :"يا بنى تحلى بالفضائل حتى يثبت عرشك علي الأرض ،هدىء من روع الباكى ، لا تظلم الأرملة ، لا تجرد أحداً مما يملك ، ولا تطرد موظفاً من عمله ، ولا تكن فظاً بل كن رحيم القلب ، لا ترفع ابن الشخص العظيم على ابن الشخص المتواضع ، بل قرب إليك الإنسان حسب كفاءته ".

ويستطرد الدكتور أن العدالة أصبحت هى عماد الإدارة المصرية الفرعونية الواعية ، الأمر الذى دعاها إلى تحقيق التنمية والرخاء والثقة والسعادة بين أرجاء المجتمع الفرعونى الذى عاش بفضل العدالة  فى الرفاهية الدينية والعقلية والحسية والقانونية ، وصارت العدالة فى نظر الملوك الفراعنة من أهم أهداف نظام الحكم المصرى الفرعونى وسمة من سماته المميزة الخالدة ، ذلك أن القانون الفرعونى فى أصله قانوناً أخلاقياً تحتل الفضيلة فيه مكانة كبيرة فى حياة الدولة الفرعونية بجانب كونه قانوناً ذا صبغة إلهية مما نجم عنه إرساء المساواة ورفع الظلم وجلب الخير ودفع المضار ونشر العدل والقيم ،الأمر الذى أدى إلى تميز القانون الفرعونى عبر الزمان  بسمة التطور لارتباطه بالحياة الفعلية للشعب الفرعونى ، من خلال التعايش السلمى تعبيراً عن اتجاهاته بلا جمود أو ركود ، وهو ما يمثل عنصر العبقرية والخلود لنظام الحكم الفرعونى.

ويختتم الدكتور الدراسة بأن العدالة هى قطب الرحى الذى يدور حوله نظام الحكم الفرعونى ، أو أن نظام الحكم الفرعونى قاطبة تدور كل أحكامة وقواعده حول فكرة العدالة التى تم تأليتها لقداستها وأطلقت عليها اسم معات "Maat " بحسبانها عين العدالة والحقيقة ، وظل الملوك الآباء يوجهون النصح والإرشاد والتوجيه إلى أبنائهم وورثتهم فى الحكم وإلى وزرائهم ومعاونيهم ومساعديهم لجعل العدالة شرعهً ومنهاجاً وقبساً ونبراساً ، نابعاً من ذلك الينبوع الخالد والنور الساطع المتمثل فى الإله "رع" ذاته الذى ظل يغرس فى أبنائه الفراعنة من بعده حب العدالة قولاً وعملاً وحرفة وصناعة حيث تذكر كلماته القيمة لكل سلفه: "قل العدالة، واصنع العدالة، لأن العدالة قادرة، إنها عظيمة، إنها سرمدية خالدة".

وصفوة القول إذن أن العدالة هى ذلك الشعاع النورانى الذى ينطلق فى أبعد نقطة فى السماء وذلك الوحى الذى بعث فى نفوس الملوك الفراعنة الإلهام والخيال والارتقاء بجعل جميع السلطات الفرعونية تدور فى فلك العدالة. فكم عظيم بعد ألاف السنين أن يأتى الرئيس عبد الفتاح السيسى بنظرته الثاقبة ورؤيته الحكيمة ليعيد للعالم وجه هذه  الحضارة الخالدة بملوكها العظماء استقبالاً لموكبهم المبهر الساحر .