الحب والموت في لندن (17)
الأربعاء 28/أبريل/2021 - 11:53 م
بالإضافة إلى فيلم "أنشودة الفؤاد" (1932)، ظهر فيلم "وخز الضمير" (1931، إخراج إبراهيم لاما)، وهو من بطولة آسيا داغر، وأحمد جلال، عبد السلام النابلسي، وماري كويني، ومن إخراج إبراهيم لاما، وهو ثاني أفلام آسيا داغر.
يدور الفيلم في نطاق دراما اجتماعية عن (أمين بك)، الذي تزوج (مارجريت) الأجنبية التي لا تحترم العادات المصرية، حيث تقيم عدة علاقات غير مشروعة، أبرزها محاولتها الإيقاع بـ(فؤاد) ابن شقيق زوجها الذي في طريقه للزواج من ابنة عمه (سهام)، فتشتعل الغيرة في قلب (مارجريت) وتبدأ في تدبير المكائد التي تؤدي الى مشاجرة وعيار ناري طائش يسفر عن قتيل لا ذنب له فيتم القبض على فؤاد، تعاني (مارجريت) من وخز الضمير، فتنتحر بعد أن تترك رسالة تبرىء فيها (فؤاد) من جريمة القتل.
وفي عام 1947 أنتج فيلم The Paradine Case للمخرج ألفريد هيتشكوك عن رواية وضعها عام 1933 روبرت هيتشنز، الذي كان لفترةٍ مساعدًا للأديب أوسكار وايلد. بنى هيتشنز روايته على جريمتين مثيرتين في بريطانيا، الأولى هي جريمة الأميركية فلورانس مايبريك التي وجدت مذنبة وأدينت بتسميم زوجها البريطاني في ليفربول العام 1889. أما الحادثة الثانية فهي قضية مدام فهمي.
كما شهد عام 1994 تقديم مسلسل تليفزيوني يحمل عنوان "في ظروف مثيرة للشكوك"
"In Suspicious Circumstances".
كانت الحلقة الأولى منه حول جريمة مدام فهمي، ولعبت دورها الممثلة جوستين ميدا.
ويرى البعض أن أحداث وتفاصيل جريمة قتل علي كامل فهمي تؤهلها لأن تكون من أكثر الجرائم العاطفية إثارة في القرون الثلاثة الأخيرة، وإن كنتَ من المؤمنين بحكاية لعنة "الملك توت" أو لعنة الفراعنة، فلا بد أن تتوقف طويلًا عند جريمة القتل المذكورة، فقد كان علي كامل فهمي، الذي ينتمي إلى طبقة الأعيان المنحدرين من أصولٍ تركية في الغالب، شخصيةً اجتماعية معروفة في بلاط الملك فؤاد- وأثناء فترة زواجه القصيرة زعم أنه يمت بصلة قرابة للملك فؤاد وأسبغ على نفسه لقب "برنس"- وكان من أوائل من زاروا معسكر هوارد كارتر ولورد كارنارفون في العام 1922، لمشاهدة الكنز الثمين الذي تم اكتشافه للفرعون الشاب توت عنخ آمون.. ويورد البعض اسم علي كامل فهمي ومصيره المأساوي ضمن قائمة طويلة بالنهايات الأليمة التي نزلت بمن شاركوا في هذا الكشف الأثري أو كانوا شهودًا عليه في مراحله الأولى.
وقد يستوقفنا في هذا الصدد بحثٌ مهم أعدته لوسي بلاند ونُشِر في كتاب الجنسانية والتاريخ البحث يحمل عنوان "نساء بيضاوات ورجال ملونون: التخوفات من تمازج الأجناس في بريطانيا عقب الحرب العظمى.
تقول الباحثة إنه "من المعتقد أن تمازج الأجناس وقف كعلامةٍ حدودية بريطانية، تفصل بين المقبول وطنيـًا وما يمثل تهديدًا وطنيـًا. والطرفان المعنيان هنا: الرجل البدائي الملون والمرأة البيضاء -من النوع الرخيص- كانا يصنفان بوصفهما من ذوي الانحراف الجنسي".
وفي مقالةٍ ثانية، نشرت لوسي بلاند في العام ألفين دراسةً مهمة تركز على هذه الحادثة تحت عنوان " محاكمة مدام فهمي: الاستشراق، العناد الجنسي وتهديد تمازج الأجناس " .
وتبين بلاند أن مسألة العرق وليس العجرفة المعكوسة، هي التي أنقذت مدام فهمي أثناء محاكمتها بتهمة قتل زوجها، الذي كان يُمثَلُ على أنه "شرقي" وبالتالي متوحش ومنحرف جنسيـًا. وكما تفسر لنا بلاند، فإن المتهمة جسَدَت "الأنوثة الغربية، في مواجهة وحشية الشرق" (ص 193).
ويمكن أن نجد تلك الدراسة في كتاب حررته شاني دكروز بعنوان "العنف اليومي في بريطانيا (1850-1950): الجنسانية والطبقة والعنف في بريطانيا"، الصادر عن دار لونغمان للنشر.
معلوماتٌ أخرى يضيفها أندرو روز في كتاب "فضيحة في سافوي: قضية القتل سيئة السمعة في عشرينيات القرن العشرين.
يقول المؤلف إن مقتل المليونير المصري العابث في الأول من شهر سبتمبر عام 1923 على يد زوجته الفرنسية الحسناء في فندق "سافوي" الفخم في لندن، أثار بعناصره المختلفة اهتمام وسائل الإعلام لتنال الجريمة تغطيةً موسعة وتثير نقاشـًا مستمرًا في أوساط الرأي العام لشهورٍ طويلة.
وينطلق أندرو من خبرته العريضة في القانون الجنائي ليفحص الحقائق خلف القضية، ويلقي الضوء على معلوماتٍ وأسرار كثيرة تتعلق بمدام فهمي وزوجها، لم تتح للقاضي ولا المحلفين فرصة معرفتها.. ويقول أندرو إن الميول الجنسية المزدوجة لدى علي فهمي هي سر المأساة والجريمة.. ولعله من الضروري القول إن أندرو هو أول شخص من العامة يُسمحُ له بالاطلاع على ملف الشرطة بشأن الحادث.
وفي كتاب "الأمير والأميرة والجريمة الكاملة"، يقول أندرو روز إن الجريمة طُمِست؛ لأن ماجي كانت على علاقة جنسية مع أمير ويلز قبل الزواج، وهو الأمير الذي أصبح بعد ذلك إدوارد الثامن وترك العرش ليتزوج المطلقة الأمريكية واليس سمسون.. ويشير إلى أن براءتها جاءت بسبب صفقة سرية مع الأسرة المالكة البريطانية بسبب علاقتها مع إدوارد، حيث كانت بينهما مراسلات عاطفية وجنسية بلغت 20 رسالة وكانت تبتزه بها وتهدد بنشرها، وكانت هذه الرسائل هي الخطة التي اعتمدت عليها في تسوية قضية قتل زوجها المصري.
لقد كرهت مارجريت زوجها طوال أشهر زواجهما الثمانية، لكنها كانت من الذكاء بما يكفي كي تقتله في لندن، حيث يمكنها الحصول على محلفين أكثر تعاطفـًا ومحامي دفاع أفضل، كما نجد في الجزء رقم 86 من مجلة MURDER CASEBOOK والصادر عام 1991 تحت عنوان "طلقات في الظلام: مارجريت فهمي ولوك آه تام" تأليف ريتشارد غلين جونز.
ولدى وصول نعش علي كامل فهمي إلى محطة مصر، تجمعت أعداد غفيرة من المواطنين في استقباله. الأعداد الغفيرة التي سارت في الجنازة كانت تختلف في مشاربها، فقد كان هناك أقارب القتيل، إضافة إلى عدد من رجال الحزب الوطني -حزب مصطفى كامل- بعد أن نمت إليهم معلومةٌ مغلوطة تفيد بأن الشاب القتيل شقيق الزعيم الوطني مصطفى كامل. كما احتشد جمهور ثالث، من البسطاء الذين ينضمون في فضول إلى أي تجمع يصادفونه في طريقهم.
ولكن ماذا عن مارجريت، أو "مدام فهمي" كما أسمتها الصحافة البريطانية؟
بعد نيلها البراءة، خسرت مارجريت دعوى قضائية أقامتها لنيل تعويض مادي من أهل الزوج الراحل، لكنها سرعان ما انشغلت بمهنتها الجديدة: التمثيل.
فقد رفضت في البداية عرضـًا بالوقوف على خشبة المسرح، ثم وافقت على عرضِ قدمه لها أحد المنتجين بأن تمثل على الشاشة، على أن يكون دورها الأول هو دور زوجة رجل مصري.
انزوت بعد ذلك عن الأضواء، وعاشت حتى سن الثمانين.