السبت 23 نوفمبر 2024 الموافق 21 جمادى الأولى 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
مقالات الرأى

زواج رغم أنف الملك (2)

الإثنين 10/مايو/2021 - 08:57 م

اختارت الملكة نازلي أن تسكن في لوس أنجليس وعلى مقربةٍ من هوليوود عاصمة السينما، وتعرفت إلى كثيرين من نجومها، وأصبحوا زوارًا لبيتها يحضرون حفلاتها إذا وجهت لأحدٍ منهم أو منهن دعوة؛ لأن الكل يريد أن يكون في "أجواء صاحبة الجلالة".

اختارت الملكة لإقامتها في البداية بيتـًا في شارع قريب من هوليوود اسمه تاور رود، وقد زارها في هذا البيت الكاتب الصحفي محمد حسنين هيكل، الذي يقول: "حين عبرتُ الحديقة مارًا بحافة حمام السباحة مع رياض غالي، كان رجاؤه وقد وصلنا إلى باب البيت أن أنتظر في الصالون قليلًا؛ لأن "جلالتها تؤدي صلاة الظهر حاضرًا".

كان الملك فاروق يعرفُ أن والدته صادقت رجل بترول أمريكيًا اسمه ريتشارد باولي، وأن باولي أقنعها أن تبيع مجوهراتها وتستثمر أموالها في حقل بترول كبير في منطقة جيتسبرغ. وبالفعل باعت الملكة مجوهرات تصل قيمتها إلى ثلاثة ملايين دولار (وبقيمة النقود وقتها فإن ذلك كان مبلغـًا هائلًا) ثم إن باولي دفع للملكة مبالغ مما قال لها إنه أرباح الحقل، ثم "نفد الحقل" قبل الأوان، وكذلك زادت طلبات نازلي من مصر وراحت تتهم "الخاصة الملكية" بأنها تسرق إيراد أرضها وتستولي على دخلها من خير الأرض، ولا تبعث لها بشيء مما يتوافر لها من إيرادها، ثم راحت تتهم ابنها مباشرة بأنه يحاول "أكل حقها"، وهددته برفع قضايا مطالبة بمستحقاتها.

وزاد الطين بلة أن اثنتين من بنات نازلي كانتا معها في الولايات المتحدة، وهما الأميرتان فائقة وفتحية، وقد وقعت كل منهما في غرامٍ لم يكن فاروق راضيـًا عنه: الأميرة فائقة مع دبلوماسي مصري هو فؤاد صادق وقد تقدَّم بالفعل يطلب يدها من الملكة نازلي، والأميرة فتحية مع رياض غالي الذي تقدَّم لخطبتها هو الآخر من الملكة نازلي.

وكان الملك فاروق قد تلّقى تقارير من بعض أصدقائه في الولايات المتحدة أن رياض غالي كان على علاقة مع الملكة نازلي نفسها، وأن تلك العلاقة هي التي مهّدت له الاختلاط بـ"فتحية".

وصلت سيطرة رياض غالي على الملكة نازلي إلى حد أنها قالت إنها إذا أرادت أن تختار بين صداقتها لرياض غالي وأمومتها لفاروق فإنها تختار صداقة رياض غالي، لأن فاروق أثبت في كل مناسبة أنه ولدٌ عاق، أما رياض فقد أثبت أنه ولدٌ مخلص.

ولم يكن رياض غالي يحلم بنازلي ولكن كان يحلم بفتحية، غير أنه كان يعلم أنه لن ينال قلب فتحية إلا برضاء نازلي، بكل ما تعنيه الكلمة، وبكل ما توحي به. كانت "آتي" كما تناديها أمُها فتاة رقيقة متواضعة، اعتبرها فاروق أقرب شقيقاته إلى قلبه ربما لصغر سنها وروحها الخفيفة ومداعباتها التي لا تتوقف. غير أن فتحية كانت خاضعةً لأمها التي تسيطر عليها. كانت فتحية تؤكد أنها لا تتصور يومـًا لا ترى فيه جلالة الملكة، أو هكذا كانت تحِبُّ أن تناديها.. شأنها شأن باقي أفراد عائلتها.. فلم يكن أحد يناديها بكلمة ماما وإنما كانوا ينادونها بكلمة "ماجيستي".. وهو ما اعترفتْ به فتحية في حوار لها مع صحيفة "لوس أنجليس تايمز" يوم 11 سبتمبر عام 1976.

من جهة ثانية، كانت ابنة السادسة عشرة من العمر ترى في رياض غالي فارسـًا من فرسان القصص والروايات الغرامية.

وقيل إن هذا الفارس عثر لفتحية على مشبكٍ من الألماس كان قد سقط منها في أحد المسارح، وبهذا المشبك شبك قلبها.. إلا أنني عثرتُ في مجلة "تايم" الأميركية (بتاريخ 2 يوليو عام 1947) على خبر مفاده أن الملكة نازلي كانت في زيارة إلى مانهاتن مع ابنتيها فتحية وفائقة حين قررن حضور أحد عروض برودواي، وأن فتحية فقدت مشبك صدر يضم 36 ألماسة و25 قطعة سفير. وأضافت "تايم" أن فتحية استعادت المشبك الثمين في اليوم التالي، ومنحت المرأة التي عثرت عليه مكافأة قدرها 100 دولار.

وزاد إعجاب فتحية بالشاب رياض عندما وجدته يشتري مسدسـًا سريع الطلقات؛ ليحميها ويحمي الملكة الأم، ولم يخطر على بالها أن هذا المسدس هو الذي ستُقتَلُ به، وأن الخطر الحقيقي سيكون أقرب إليها مما تتصور.

بدأ رياض غالي يسهر مع فتحية بموافقة الملكة نازلي.. وسرعان ما نقل السفير المصري في الولايات المتحدة إلى الملك فاروق أنه رأى الأميرة فتحية وهي في مشهدٍ غرامي مع رياض غالي في ملهى ليلي. استشاط فاروق غضبـًا فقال للسفير: "يا نهار أسود.. إذا لم تُعِد غالي هذا فسوف أقتلك".

غير أن محاولات السفير مع غالي باءت بالفشل. اتصل فاروق بأمه هاتفيـًا ليسألها سؤالا واحدًا: هل صحيح ما سمعه عن علاقة فتحية "بهذا الأفندي؟".. وكان الرد بإيجاز: نعم. وعندما استشاط الملك غضبـًا شعرت بالسعادة، فقد نجحت في إيلامه. وإمعانـًا في مضايقته أضافت: إنها ستدعم هذه العلاقة بكل ما تملك من قوة، خصوصـًا أنها علاقة ستنتهي بالزواج. كانت هذه هي المكالمة الأولي بين فاروق ونازلي بعد عامين من رحيلها عن مصر في رحلة العلاج.. فقد قاطعته بصورةٍ واضحة، ولم تعد ترد على مكالماته، فاكتفى بمتابعة حالتها الصحية عبر تقارير طبيبها الخاص الدكتور الكفراوي حتى جاء خبر زواج فتحية من رياض غالي، الذي كانت نازلي تعرف مسبقـًا أن له وقع الكارثة على ابنها الملك. وبالفعل أنهى فاروق مكالمته مع أمه بشتائم راح يرصها بثلاث لغات يعرفها: العربية والفرنسية والإنجليزية.. وعندما أغلق السماعة تفجرت في رأسه كل التوقعات التي سيثيرها زواج أخته من رجل عادي على غير ملتها.