زواج رغم أنف الملك (9)
الإثنين 28/يونيو/2021 - 10:54 م
في خطوةٍ صادمة لكثيرين، أُعلِنَ عن اعتناق الملكة الأم نازلي للمسيحية على المذهب الكاثوليكي عام 1958 وأنها اختارت لنفسها اسم ماري إليزابيث، وبررت ذلك بأنها قد نجت من موت محقق على أثر العمليات الجراحية المتكررة التي أجريت لها في أحد المستشفيات الكاثوليكية، وأنها قد نذرت قبل إجراء إحدى هذه العمليات أن تعتنق الكاثوليكية إذا أمد الله في عمرها ونجت من الموت، ولهذا رأت أن تفي بنذرها، وأن تعود إلى دين ومذهب جدها الكولونيل "أنتلم أوكتاف سيف" الذي أسلم وتسمى باسم سليمان باشا الفرنساوي.
ويشير هيكل إلى أن شاه إيران محمد رضا بهلوي، قال في سياق تعليقه على ارتداد نازلي عن الإسلام:
"كانت طول عمرها... تندفع وراء عواطف اللحظة إلى حيث تقودها. إنني عرفت، وفكرت في وقف مساعداتي لها، ولكني سمعت تفصيل الظروف التي جعلتها ترتد عن الإسلام إلى الكاثوليكية.
"كانت مريضة، وكانت تحت عناية راهبة كاثوليكية أثرت عليها، وعندما شُفيت تصورت أن شفاءها معجزة، وجرتها الراهبة التي سيطرت على عقلها وعواطفها إلى الكاثوليكية" .
سارت على نهج نازلي في اعتناق المسيحية ابنتها فتحية، وأيضـًا فائزة التي انضمت إلى الاثنتين بعد خروجها من مصر عام 1955 بعد الثورة.
وكانت فائزة قد نجحت في تهريب مجوهراتها عن طريق الحقيبة الدبلوماسية للملحق العسكري التركي الكولونيل محمد نور الدين، لكن الضابط الذي تولى تهريب مجوهرات الأميرة لم يسلمها لها في باريس كما كان مُتفقـًا عليه.
ووجدت الأميرة فائزة نفسها مُفلِسة في العاصمة الفرنسية، وأكملت رحلتها إلى كاليفورنيا كي تشارك والدتها حياتها وكذلك تعتنق مثلها المسيحية الكاثوليكية. عانت الأميرة فائزة كثيرًا في حياتها قبل أن تمرض وتلزم الفراش سنوات.. لكن مصير الأميرة فتحية كان أكثر مأساوية، ذلك أن الغرام فَتُر، ثم طرأت بين الزوجين خلافاتٌ وصلت إلى حد أن رياض غالي كما ورد في تحقيقات شرطة لوس أنجليس "كان يضرب زوجته دائمـًا، ثم يضرب الملكة نازلي ويضرب الأميرة فائزة إذا حاولتا التدخل لمنعه من الاعتداء على زوجته". فقد حصل رياض غالي عقب الزواج على تفويض كامل من نازلي وفتحية بالتصرف في شؤونهما المالية، لكنه خسر الكثير في الأموال في استثمارات فاشلة.
أخذ الزوج في ابتزاز نازلي وابنتها ماليـًا، وفي حين انشغلت فتحية بإنجاب أطفالها رفيق ورائد ورانيا، انهمك غالي في تبديد الأموال على شراء وتعاطي المخدرات، واعتدى بالضرب على زوجته في أكثر من مناسبة، لدرجة أنه كسر ذات مرةٍ زجاجة خمر في ملهى ليلي وحاول أن يضربها بها لأنها طالبته بالطلاق.
كان رياض غالي قد استدان من البنوك مبالغ طائلة بتوكيلٍ لديه من نازلي وفتحية، وانتهى الأمر بإعلان نازلي إفلاسها في عام 1974 بعد تراكم الديون عليها، واستطاع رياض الحصول على 40% من باقي حصيلة بيع ممتلكات نازلي بعد التسوية مع البنوك.
وعند إشهار إفلاس نازلي، انحصرت أملاكها في خمس سيارات مرسيدس ومُهر عربي تصل قيمته إلى خمسة آلاف دولار، ومجوهرات وتحف تُقدَّر بأكثر من مليوني دولار.
غير أن الديون المتراكمة التهمتْ كل ما سبق ذكره، خصوصـًا أن الفوائد السنوية للديون تضخمت وصارت ديناصورًا لا يقف في طريقه شيء.
انفصل الزوجان فتحية ورياض جسديـًا عام 1965، ثم طلبت فتحية الطلاق في عام 1973. ولم تنته فصول القصة المثيرة بالطلاق، فقد حدث أن توفيت جليلة، أم رياض غالي، وكانت على علاقةٍ طيبة بفتحية، فأرادت الاخيرة أن تقدم واجب التعزية، وأراد رياض إعادتها إليه، لكنها رفضت، وكانت تعتزم آنذاك العودة إلى مصر بعد أن أفلست هي وأمها، وبيعت آخر مجوهرات الملكة نازلي في المزاد العلني.
غير أن رياض غالي -واسم شهرته: مينا- طلب من فتحية أن تزوره للمرة الأخيرة، وكانت بالفعل زيارةً أخيرة؛ إذ أطلق عليها الرصاص في مساء 10 ديسمبر عام 1976، واستقرت خمس رصاصات في جسد فتحية لتُرديها قتيلةً على الفور. حاول القاتلُ إطلاق رصاصةٍ على نفسه بقصد الانتحار، لكنه نجا من الموت. وعندما تأخرتْ فتحية في العودة، ذهبَ ابنها إلى منزل مطلقها في لوس أنجليس بولاية كاليفورنيا، ليجد جثة أمه على الأرض غارقةً في دمائها، في حين كان والده مصابـًا بطلقٍ ناري أدى إلى أن يفقد جزءًا من قدرته على الإبصار، إضافةً إلى ضعفِ ذاكرة لازمه حتى وفاته في سانتا مونيكا بلوس أنجليس في 12 يوليو عام 1987.
حكمت إحدى المحاكم العليا الأميركية في 12 أبريل عام 1978 على رياض غالي بالسجن لمدةٍ تتراوح بين سنةٍ واحدة و15 سنة لقتله مطلقته الأميرة فتحية. والقانون الجنائي الأميركي يمنح من يصدر ضده حُكمٌ تتراوح مدته بين حدين، الحق في التقدم سنويـًا بالتماس إلى المحكمة العليا. ومن حق المحكمة أن تصدر عفوًا عنه إذا استوفى في نظرها شروطـًا معينة.
شُيعت جنازة فتحية في مدينة لوس أنجليس ودُفِنَت هناك في مقبرة "غاردن أوف ذي هولي كروس" في كالفر سيتي بلوس أنجليس، بناءً على رغبة الملكة نازلي وضد رغبة أولادها الذين كانوا يريدون دفن أمهم في مصر. أما الذين شيعوا الجنازة فقد تجاوز عددهم 300 شخص، معظمهم من أصدقاء العائلة وأعضاء المجتمع الأرستقراطي الأميركي.
ومن المُحزن أن الملكة نازلي كانت على قيد الحياة حين أقدم رياض على قتل فتحية، وقد سارت في جنازة ابنتها وهي تتوكأ على عصا.
بقيت نازلي في لوس أنجليس حتى توفيت هناك في 29 مايو عام 1978. وحين توفيت لم يعد هناك ما يشير إلى العائلة الملكية في مصر أكثر من بضعة سطور في كتبٍ يعلوها الغبار.