الولايات المتحدة 2021.. كيف سيتعامل الرئيس المنتخب بايدن مع تحديات القوي الدولية العظمي كالصين وروسيا.. سياسات التسوية ضرورية لإدارة المخاطر.. تعافي الولايات المتحدة يكمن فى إعترافها بأن لديها مشكلة
يؤمن الرؤساء الأمريكيون "الديمقراطيون والجمهوريون" بأن أحد مفاتيح النجاح في التعامل مع الخصوم في الخارج هو العمل من مواقع القوة وليس الضعف. وقد تجلّى ذلك خلال فترة الرئيس "دونالد ترامب"، حيث ذكرت استراتيجية الأمن القومي لعام 2017: "تشير التجربة إلى أن استعداد المنافسين للتخلي عن العدوان يعتمد على تصورهم لقوة الولايات المتحدة وحيوية تحالفاتنا".
وتعرض
الكاتبة هدير أبو زيد فى تقرير لمركز المستقبل للابحاث والدراسات المتقدمة ومقره
الامارات أنه في هذا السياق، يجادل "جورج بيب" في مقاله المعنون "موازنة
سياسات القوى العظمى في عام 2021 وما بعده"، المنشور بمجلة "المصلحة القومية
National Interest"؛ بأن الفجوة بين تطلعات الولايات المتحدة للتعامل مع منافسيها من القوى
العظمى وقدرتها على تحقيق أهدافها في الوقت الراهن، لا تزال صغيرة مقارنةً بأي وقتٍ
مضى، ولا سيما مع استمرار قدرة الولايات المتحدة على الابتكار والتجديد.
واوضح
أن كل من القادة الجمهوريين والديمقراطيين يتفقون على أن العالم قد دخل في فترة ممتدة
من منافسة القوى العظمى، وأن الصين وروسيا أصبحتا منافسين أساسيين للولايات المتحدة.
ومع ذلك، يجب التسليم باختلافهما إلى حدٍّ ما حول المزيج الأمثل من الأدوات لحشد القوة
الوطنية للولايات المتحدة للتعامل مع المنافسين.
فمن
المرجح أن يؤكد داعمو "ترامب" على الاعتماد على جيش قوي وأكثر استعدادًا
لتبني تدابير أحادية الجانب، بينما سيميل الديمقراطيون إلى التحدث أكثر عن تنشيط الدبلوماسية
والتوسع في استخدام كافة أشكال العمل الجماعي؛ لكن -في كل الأحوال- سيدرك الطرفان أن
عصر الهيمنة الأمريكية على العالم دون منازع قد انتهى.
ومع
ذلك، يبدو أن هناك أيضًا إجماعًا بين خبراء السياسة الخارجية في كلا المعسكرين السياسيين
على أنه على الرغم من الاعتراف المتزايد بالحاجة إلى انتشال البلاد من "الحروب
التي لا نهاية لها" في المناطق النائية، فيجب على الولايات المتحدة أن تهاجم منافسيها
الرئيسيين، وهو ما تجلى في انتقاد الرئيس المنتخب "جو بايدن" للديمقراطيات
الغربية والتي لطالما كانت في موقف دفاعي ضد العدوان الروسي، دون أي موقف هجومي يُذكر.
وبناءً عليه، تعهد أحد المتحدثين باسم الحملة الانتخابية لـ"بايدن" بأن فريق
"بايدن" سيواجه العدوان الروسي من موقع قوة، جنبًا إلى جنب مع العمل على
الحفاظ على الاستقرار الاستراتيجي للبلاد.
ويُشير
المقال إلى أن إدارة "ترامب" كانت قد اتبعت سياسة المواجهة المزدوجة ضد موسكو
وبكين، حيث روجت لمجموعة من العقوبات الصارمة غير المسبوقة والإجراءات العسكرية، مع
إظهار القليل من القلق من أن هذا النهج سيساهم في التعاون الصيني الروسي ضد المصالح
الأمريكية.
لهذا
السبب يعترف الديمقراطيون مثل "ترامب"، بأن استراتيجية الولايات المتحدة
لدمج الصين في النظام الدولي قد فشلت في تحويل بكين إلى دولة مسؤولة، ويؤكدون أنه يجب
على واشنطن اتخاذ موقف أكثر تشددًا ضد بكين، كما يطالبون برد قوي ضد موسكو، مع التسليم
بأن العدوان الروسي والمخالفات الصينية كانا إلى درجة كبيرة نتيجة للتساهل الأمريكي
في التعامل مع منافسيه.
ومن
ثمّ بات التحدي الرئيسي الذي يلوح في الأفق أمام الفريق القادم من مسؤولي السياسة الخارجية
ليس كيفية استخدام القوة الأمريكية لإخضاع الصين وروسيا للإرادة الأمريكية؛ بل الحصول
على فترة راحة في الخارج ستسمح للبلاد بالتركيز على التحديات الداخلية. فكلما واصلت
الولايات المتحدة هجومها على جبهتين ضد منافسيها من القوى العظمى في الخارج، زاد احتمال
تعقّد مشاكلها الداخلية.
وعلى
النقيض مما تروجه الولايات المتحدة بأنها لا تزال أقوى قوة عسكرية وأكبر اقتصاد في
العالم، يؤكد الكاتب أنها تعاني من أزمات داخلية عديدة، والتي من المحتمل أن تقلل من
قدرتها على التعامل مع منافسيها.
ومن
تلك التحديات حجم الدين القومي للولايات المتحدة، والذي سيتجاوز قريبًا إجمالي الناتج
المحلي، وستكون تلك المرة الأولى منذ انغماسها بعمق في الديون لتمويل الحرب العالمية
الثانية، ناهيك عن اعتمادها على الائتمان لدفع تكاليف العمليات العسكرية في أفغانستان
والعراق وما وراءهما، إلى جانب الإنفاق التحفيزي الهائل لتخفيف تداعيات الأزمة المالية
لعام 2008، وأخيرًا تداعيات فيروس كورونا التي ستخلق ضغوطًا كبيرة نحو انخفاض ميزانيات
الدفاع. وعليه، ستنشغل الولايات المتحدة وستضطر لمواجهة سباق تسلح استراتيجي جديد مع
روسيا والصين، بحسب ما نوه إليه مسؤولو إدارة "ترامب".
علاوةً
على ما سبق، بات غياب القوة الوطنية وهي أكثر بكثير من مجرد ظاهرة عسكرية أو اقتصادية،
كونها متجذرة في عوامل غير ملموسة مثل التماسك الاجتماعي والديناميكية والثقة بالنفس،
والتي لعبت دورًا كبيرًا في نجاح الولايات المتحدة في التعامل مع التحدي السوفيتي؛
واضحًا للجميع، بما في ذلك للأصدقاء والمنافسين في الخارج، وهو أمر لا يمكن استرجاعه
في الوقت الراهن.
هذا
الغياب له تداعيات حقيقية على قدرة الدولة على وضع وتنفيذ سياسة خارجية متماسكة، فهو
سيجعل واشنطن أكثر عرضة للهجوم بشكل غير حكيم على الخصوم الأجانب، ومن المرجح أن تنظر
إلى مواطنيها الذين يختلفون حول السياسة على أنهم أعداء يجب هزيمتهم.
وعليه،
لم تكن الحرب المفتوحة بين البيت الأبيض وبيروقراطية المؤسسات المناط بها إدارة الشؤون
الخارجية وحلفائها في وسائل الإعلام مجرد نتيجة لقلة خبرة فريق "ترامب" وسوء
إدارته فحسب؛ بل أيضًا انعكاسًا للانفصال المتزايد بين النخبة (التي تضم الخبراء ذوي
التعليم العالي الذين يديرون جهاز الأمن القومي) وأمريكا الوسطى التي استمرت لفترة
طويلة وأنتجت في النهاية رئاسة "ترامب"، وهو الانفصال الذي ينبع من مجموعة
من الأسباب المعقدة التي من المستبعد جدًّا أن يتم التغلب عليها خلال السنوات الأربع
المقبلة.
ويذكر
الكاتب أن التوترات بين البيت الأبيض والبيروقراطية ووسائل الإعلام ستهدأ بالتأكيد
خلال إدارة "بايدن"، لكن من المحتمل جدًّا أن ينتقل موقع المعارك السياسية
من الداخل إلى الخارج، مما سيقوض قدرته على تبني سياسات خارجية وأمنية تحصل على دعم
داخلي قوي.
ويضيف
أن الانقسامات الأمريكية الداخلية سترتب تداعيات مهمة على كيفية رد فعل روسيا والصين
على الضغوط العسكرية والاقتصادية والدبلوماسية الأمريكية المفرطة. فمن غير المرجح أن
يتصدى أي من الدولتين لإجراءات التهديد الأمريكية من خلال هجمات متكافئة على نقاط قوة
الولايات المتحدة، بل بدلًا من ذلك من المؤكد أنهما ستستهدفان نقاط ضعفها، ولن يلوح
في الأفق أي شيء أكبر من انقساماتها الداخلية.
وأبرز
مثال على هذا، عمليات التصيد عبر وسائل التواصل الاجتماعي في روسيا وعملية الاختراق
خلال الانتخابات الرئاسية لعام 2016. ونادرًا ما يغير محتوى الوسائط الاجتماعية آراء
الناس ومعتقداتهم، لكنه أثبت أنه قادر تمامًا على إثارة غضب الجماهير المستهدفة التي
تميل بالفعل إلى الغضب. فالمزيج من الاستقطاب المجتمعي بجانب الأعداد الكبيرة من العاطلين
عن العمل بعد فيروس كورونا، سيكونان كافيين لزعزعة استقرار الولايات المتحدة.
وإذا
كان الهجوم ضد روسيا والصين لا معنى له في ظل هذه الظروف، فكيف يجب أن نتعامل مع خصومنا
من القوى العظمى؟. هذا التساؤل الذي حاول الكاتب الإجابة عنه من خلال رصد أهم الخبرات
والتجارب التاريخية في هذا الشأن.
ففي
عام 1968، واجه "ريتشارد نيكسون" في أعقاب فوزه الرئاسي الأول موقفًا شبيهًا
بالظروف الراهنة، حيث كانت أمريكا منقسمة بشكل حاد حول عدد من القضايا أهمها: الحرب
في فيتنام، والحقوق المدنية، وعليه انتشرت موجة من الاحتجاجات والاغتيالات في كافة
أنحاء البلاد، وأدت أعمال الشغب إلى حرق العديد من المدن.
وبالرغم
من وعد حملة "نيكسون" بالعودة إلى القانون والنظام في الداخل، وإنهاء حرب
فيتنام في الخارج؛ إلا أن فرص المناورة الأمريكية كانت مقيدة بشكل حاد، ناهيك عن جهود
الاتحاد السوفيتي للتكافؤ مع الولايات المتحدة في الأسلحة النووية، لا سيما وأنه كان
يتمتع بالفعل بميزة عددية ساحقة في القوات التقليدية في أوروبا.
وعليه،
بات التساؤل الرئيسي هو: كيف يمكن للولايات المتحدة إخراج نفسها من فيتنام والتركيز
على التعافي الداخلي، مع منع الاتحاد السوفيتي من تخويف أوروبا الغربية ونشر الشيوعية
حول العالم؟. وهنا كانت إجابة "نيكسون" التي تم صياغتها مع مستشار الأمن
القومي "هنري كيسنجر"، بمثابة عمل بارع في استراتيجية الواقعية الدفاعية.
وقد
تواصل "نيكسون" مع الصين الماوية، على الرغم من كونها من أكثر الأنظمة بُغضًا
في التاريخ، وسعى لبدء العلاقات الدبلوماسية الرسمية معها، مما ساعد على موازنة القوة
السوفيتية وتعقيد توقعات السياسة الخارجية للكرملين. وبموازاة ذلك، سعت الولايات المتحدة
إلى تحقيق الانفراجة مع موسكو، والتي أنتجت مجموعة من الاتفاقيات حول التجارة، والسيطرة
على الأسلحة، وحقوق الإنسان، وبناء الثقة التي ساعدت على تقييد الحشد العسكري السوفيتي،
وجعلت التنافس بين القوى العظمى أكثر قابلية للإدارة ويمكن التنبؤ به، وهو ما كشف عن
إدراك "نيكسون" لفرصة استغلال التوترات المتصاعدة بين الاتحاد السوفيتي والصين.
لكن
عندما جاء "رونالد ريجان"، انتقد هذا النهج خلال حملته عام 1976، لكونه شديد
التساهل مع موسكو، لكنه في الحقيقة أخطأ، نظرًا لنجاح هذا النهج في توفير الوقت للولايات
المتحدة، والذي كانت في أمسّ الحاجة إليه لإصلاح الجروح المحلية في البلاد، وإعادة
بناء القوة التي خدمت "ريجان" فيما بعد بشكل جيد.
وتتساءل
الكاتبة هل ستستطيع الولايات المتحدة اتباع نهج مماثل اليوم مقارنة مع عام 1968، مع
العلم بأن الإصابات المحلية في البلاد تبدو أكثر خطورة، وطبقتها الوسطى أكثر استياءً،
وقدرتها على إنتاج سياسة خارجية متماسكة أكثر محدودية؟. لذا سيتعين على الولايات المتحدة
أن تدرك أنها لم تعد في وضع يسمح لها بإملاء النتائج في العديد من المجالات الخارجية،
وأن درجة معينة من التسوية ستكون ضرورية لإدارة المخاطر التي يشكلها منافسوها. وعليه،
فإن الخطوة الحيوية الأولى في تعافي الولايات المتحدة هي الاعتراف بأن لديها مشكلة.