خبير سياسي أمريكى يكشف سيناريوهات تعامل بيونج يانج مع هاريس
لا يزال التوتر المتزايد في العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية يفرض نفسه، في ظل احتمال أن يسعى الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون إلى اختبار النهج الذي ستتبعه الإدارة المحتملة للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في التعامل مع قضايا الأمن النووي والاستفزازات العسكرية.
وفي ظل تاريخ طويل من التوترات والصراعات بين البلدين، فإن كيم قد يستغل الفرص لتعزيز موقفه أو تقديم تحديات جديدة تبرز عدم الاستقرار في المنطقة، مما يعكس التعقيدات التي تواجهها السياسة الأمريكية تجاه شبه الجزيرة الكورية في المستقبل.
ماهي سيناريوهات تعامل زعيم كوريا الشمالية
ويقول الخبير السياسي الأمريكي روبرت مانينج في تقرير نشرته مجلة ناشونال إنتريست إنه عند توليه منصبه في عام 1957 بعد أزمة قناة السويس، سُئل رئيس الوزراء البريطاني هارولد مكملان عن أكبر تحد يواجه سياسته الخارجية، ورد بقوله الشهير: "الأحداث، يا عزيزي، الأحداث". وبغض النظر عن استراتيجيات الأمن القومي الرسمية، غالبا ما تميل الكثير من السياسة الخارجية للإدارة إلى أن تكون ردود أفعال على الأحداث، وأوكرانيا وغزة هما مثالان بارزان على ذلك في العصر الحديث.
ويضيف مانينج الذي شغل مناصب متعددة، بما في ذلك مستشار أول لمساعد وزير الخارجية للشؤون العالمية، وعضو في فريق التخطيط السياسي لوزير الخارجية الأمريكي، وضمن مجموعة الاستشراف الاستراتيجي في مجلس الاستخبارات الوطنية أنه بالتفكير فيما يمكن توقعه من نوع السياسة التي يتم الدفع بها تجاه كوريا الشمالية في إدارة كامالا هاريس، فإن الاستمرار في نهج الصبر الاستراتيجي الذي يتبعه الرئيس جو بايدن سيكون رهانا آمنا، إذا كانت جميع الأمور ثابتة بدون تغيير. وفي غياب استفزاز كبير، مثل اختبار نووي سابع، أو هجوم آخر على جزر كورية جنوبية متنازع عليها، ستفضل إدارة هاريس التركيز على قضايا أكبر.
ويتساءل مانينج لماذا؟ ويقول إن هناك عدة أسباب واضحة، سواء على الصعيد العالمي أو على المستوى الكوري، مثل أن الحربين في وكرانيا وغزة من المرجح أن تتصاعدا بدلا من أن تُحلا، كما أن التوترات المستمرة في بحر الصين الجنوبي هي أيضا مرشحة أخرى للتصعيد. هذه الأمور وحدها توفر مبررا معقولا لإبقاء كوريا الشمالية في مرتبة أقل من حيث الاهتمام.
لكن أكثر الأسباب إقناعا لنهج حذر قد يكون الواقع القاسي في شبه الجزيرة الكورية. ومنذ أن بدأت الدبلوماسية الأمريكية مع كوريا الشمالية في عام 1992، كانت هناك عقبة أساسية تتمثل في عدم الثقة العميق بين الجانبين. وزادت هذه الفجوة بعد فشل المحادثات السداسية في عام 2005، ويبدو أنها وصلت إلى نقطة الانهيار بعد القمة الفاشلة للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون في هانوي عام 2019.
وفي عام 2021، اتخذ كيم جونج أون خيارا استراتيجيا بالتخلي عن الهدف الاستراتيجي طويل الأمد لبيونج يانج المتمثل في تطبيع العلاقات مع الولايات المتحدة، ليحدد نفسه كدولة نووية، وإدراج ذلك في دستور البلاد، وتسريع الجهود لتحسين برامجها النووية والصاروخية بشكل نوعي وكمي. وحصلت على صواريخ باليستية عابرة للقارات تعمل بالوقود الصلب يمكنها الوصول إلى الولايات المتحدة، بالإضافة إلى صواريخ متعددة الرؤوس، وصواريخ تُطلق من الغواصات، والأسلحة النووية التكتيكية التي غيّرت التوازن الاستراتيجي في شبه الجزيرة الكورية.
وتشير الاستثمارات النووية لكيم جونج أون ونواياه المعلنة بقوة إلى أنه لا يوجد طريق واضح لاستئناف جاد لمحادثات نزع السلاح النووي. ولا تزال إدارة بايدن تؤكد أن نزع السلاح النووي هو هدفها على المدى الطويل، على الرغم من أنها أضافت مؤخرا بعدا جديدا، مشيرة إلى أن خطوات مؤقتة ما زالت غامضة قد تكون ممكنة. ولكن يبدو أن الديناميكية الحالية بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية تتحرك في اتجاه أكثر تصادمية.
محاولات إدارة بايدن
وبينما قدمت إدارة بايدن باستمرار عروضا غير مشروطة للحوار مع بيونج يانج، تجاهل كيم هذه العروض، واستمر في تصعيد برنامجه النووي والصاروخي. وكان تركيز السياسة الأمريكية تجاه كوريا الشمالية على تعزيز الردع، سعيا لإعادة التأكيد على جمهورية كوريا واليابان، والتركيز على بناء تحالف ثلاثي أمريكي-كوري جنوبي-ياباني وتعاون دفاعي، تم تسليط الضوء عليه في قمة كامب ديفيد في آب/أغسطس 2023.
ويقول مانينج إنه من المحتمل أن تسعى إدارة هاريس إلى تعزيز هذا النجاح من خلال تعزيز التحالفات والبحث عن مجالات جديدة للتعاون الثلاثي وتجنب الدبلوماسية المتعلقة بنزع السلاح النووي. ويشير إلى أنه من الإنصاف أن نقول إنه من الصعب تصور أي مبادرة سياسية أمريكية قد تقنع كيم بالثقة في العروض الأمريكية بدلا من أسلحته النووية. ويميل الأمريكيون إلى الاعتقاد بأن جميع المشاكل لها حلول إذا تم تطبيق السياسة الصحيحة فقط. لكن بعض المشاكل المعقدة يمكن إدارتها فقط.
ومع ذلك، هناك أحداث غير متوقعة. وأطلقت بيونج يانج، كما لو كانت تثير كلا المرشحين الرئاسيين، وابلا من تجارب إطلاق الصواريخ البالستية قصيرة المدى، وتعهد كيم بجعل قوته النووية جاهزة للقتال في مواجهة الولايات المتحدة. لكن الأهم من ذلك، نشرت وسائل الإعلام الكورية الشمالية صورة نادرة لكيم وهو يتفقد منشأة لتخصيب اليورانيوم سرية للغاية، ووعد ببناء المزيد من الأسلحة النووية.
وقد يكون هذا مقدمة للأزمة القادمة. وأصبحت بيونج يانج أكثر جرأة في تحدي خط الحدود الشمالي، وهو الحدود البحرية بين الشمال والجنوب، التي رسمتها قيادة الأمم المتحدة في وقت الهدنة عام 1953. وتعارض بيونج يانج خط الحدود الشمالي وهاجمت عدة مرات جزرا تسيطر عليها كوريا الجنوبية.
وفي عام 2010، أطلقت بيونج يانج النار على يونيونج، إحدى الجزر الخمس المعروفة بالجزر الشمالية الغربية، والتي يحددها خط الحدود الشمالية على أنها تابعة لكوريا الجنوبية، مما أسفر عن مقتل اثنين من مشاة البحرية الكورية الجنوبية، وغرقت أيضا سفينة كورية جنوبية. وفي وقت سابق من هذا العام، أطلقت كوريا الشمالية 200 قذيفة مدفعية على الجزيرة. ويُعتبر هجوم أكبر حجما وأي رد عسكري من كوريا الجنوبية حدث محتمل قد يثير أزمة تتحدى سياسة إدارة هاريس المفضلة.