محلل سياسي: التحالف الروسي الكوري الشمالي المتجدد.. ما الذي تغير عن الماضي؟
يرى المحلل الكوري الجنوبي داي أون هونج أن معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة الموقعة بين روسيا وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية في شهر يونيو العام الجاري ، تعتبر إحياء لمعاهدة الصداقة والتعاون والمساعدة المتبادلة المبرمة عام 1961 والتي نصت على التدخل التلقائي في أوقات الحرب.
وقال هونج ، وهو أستاذ قانون في جامعة دونجكوك في سيول، كوريا الجنوبية، وأستاذ مساعد في كلية الحقوق بجامعة كورنيل، حيث يدرس القانون والمجتمع في كوريا الشمالية، إنه تم إلغاء معاهدة 1961 في عام 1996، عندما أصبحت روسيا أكثر اهتماما بتحسين العلاقات مع كوريا الجنوبية.
وأضاف ، هونج في تقرير نشرته مجلة ناشونال انترست الأمريكية ،أن معاهدة الصداقة وحسن الجوا ر والتعاون التالية التي تم التوقيع عليها في عام 2000، لم تتضمن بند التدخل العسكري التلقائي الذي طالبت به بشكل ملح جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية.
واستمر هذا الوضع لأكثر من عشرين عاما . وفي هذا الصدد ، حصلت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية على ميزة أمنية مهمة من خلال إبرام معاهدة جديدة مع روسيا.
وفي حالة معاهدة عام 2024، ورغم أن هناك بعض الشروط المسبقة للتدخل العسكري بموجب القوانين الداخلية في كلتا الدولتين (المادة 4)، فإنها سوف تكون سارية بالفعل إلى أجل غير مسمى ما لم يقم طرف بالأخطار بأنه سوف يعلق العمل بالمعاهدة (المادة 23).
وعلى النقيض من معاهدة 1961،التي كان يتعين تجديدها كل عشر سنوات وتم إنهاء العمل بها نهائيا في عام 1996، فإن الحقيقة التي مفادها أن معاهدة 2024 سارية إلى أجل غير مسمي ، تعني أنه تم تلبية طلب جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية بضمانات أمنية دائمة .
ويبدو أن روسيا قد استأنفت تحالفها مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية ، على أساس استنتاج بأنها يمكن أن تكسب مزايا سياسية واقتصادية أو عسكرية محدودة من علاقتها مع كوريا الجنوبية.
ويرجع هذا الاستنتاج إلى الموقف الموالي للولايات المتحدة للحكومة الكورية الجنوبية الحالية التي تواصل دعم أوكرانيا .ويشير هذا الاستنتاج إلى أن روسيا قد انهت دبلوماسية المسافة المتساوية من الكوريتين الشمالية والجنوبية، والتي حافظت عليها عادة منذ حقبة تسعينيات القرن الماضي عقب تفكك الاتحاد السوفيتي.
وجنت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية المزايا الأمنية والاقتصادية المهمة من تحالفها مع روسيا.والسؤال الذي يطرح نفسه هو ما هو التأثير الذي سيكون للتحالف بين روسيا وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية على علاقات الأخيرة مع دول أخرى وبصفة خاصة الصين؟
وفي الماضي ، خلال الحرب الباردة ، حصلت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية على الفوائد السياسية والاقتصادية الضرورية للحفاظ على نظامها من خلال دبلوماسية االمسافة المتساوية من الاتحاد السوفيتي والصين.
ومع ذلك ،فإنه بعد انتهاء الحرب الباردة ، أصبحت دبلوماسية المسافة المتساوية غير ممكنة ومنذ ذلك الحين ، استخدمت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية القمم ووسائل أخرى لتفادي العزلة الدو لية.
وعلى سبيل المثال، أعتبرت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية إقامة علاقات دبلوماسية بين الصين وكوريا الجنوبية في عام 1992، بمثابة خيانة . وأدى هذا التقارب إلى تراجع في تبادل الزيارات عالية المستوى بين بيونج يانج وبكين لبعض الوقت .
غير أنه في عام 2006عندما أبدت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية ميلا صوب تحسين العلاقات مع كوريا الجنوبية أو الولايات المتحدة ، اتخذت الصين أيضا خطوات للحفاظ على نفوذها على جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية، مثل عقد قمم أو إرسال مسؤولين رفيعي المستوى.
وعلى سبيل المثال، في يونيو عام 2000 قبل وقت قصير من اجتماع الزعيم الكوري الشمالي إنذاك كيم جونج ايل مع الرئيس الكوري الجنوبي كيم داي جونج في قمة بين الكوريتين ، توجه كيم جونج أيل إلى الصين للقاء رئيسها جيانج زيمين.
وإضافة إلى ذلك ، ففي شهرأكتوبر من نفس العام ، وقبل يوم من زيارة وزيرة الخارجية الأمريكية إنذاك مادلين أولبرايت لجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية ، زار وزير الدفاع الصيني بيونج يانج.
وبعد توليه مقاليد السلطة ، لم يبد الرئيس الصيني شي جين بينج أي اهتمام بلقاء الزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون . غير أنه في عام 2018، عقد كيم جونج أون مع شي جين بينج اجتماعات متعاقبة قبل وبعد اجتماعات مع الرئيس الكوري الجنوبي مون جاي إن والرئيس الأمريكي دونالد ترامب .
ويبدو الأمر وكأنه تكرار لعام 2000. وإضافة إلى ذلك ، يبدو أن احتمال تعزيز العلاقات بين جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية والولايات المتحدة قد دفع شي جين بينج والرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى زيارة بيونج يانج في عام 2019.
وتابع هونج أنه بهذه الطريقة ، استخدمت جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية القمم لتحسين العلاقات مع دول أخرى ولتقليص عزلتها من المجتمع الدولي.
غير أنه رغم التقارب بين جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية وروسيا ، تظل العلاقات بين بكين وبيونج يانج باردة باستمرار ، ما يشير إلى أن الأخيرة ، على النقيض من فترة الحرب الباردة ، لها تأثير محدود في علاقتها مع بكين .
وأوضح أنه لكي تنجح دبلوماسية المسافة المتساوية ، يجب أن تكون الدولتان المستهدفتان في حالة مواجهة وتسعيان لإحتواء كل منها الأخرى.
غير أنه من الصعب بالنسبة لجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية ان تتبع دبلوماسية المسافة المتساوية على نحو مؤثر بسبب المشهد الجيوسياسي الحالي، الذي يختلف عن التوترات التي تم مشاهدتها خلال الحرب الباردة.
وتدرك الصين أن روسيا لاتستطيع أن تضطلع بالكامل بدورها في جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية . وعندما تنتهي الحرب الروسية الأوكرانية في يوم ما ، ولم تعد روسيا في حاجة للحصول على أسلحة على نطاق واسع من جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية ، فإن من غير المرجح أن روسيا سوف تحتفظ باهتمام كبير بجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية.
واختتم هونج تقريره بالقول إنه إذا كان يتعين على الولايات المتحدة ، الدولة الوحيدة حاليا التي تنظر إليها الصين ا بقلق وحذر ، أن تحسن العلاقات مع جمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية ، فإن الصين سوف تتخذ أيضا موقفا واضحا مثلما فعلت إزاء العلاقات بين الاتحاد السوفيتي وجمهورية كوريا الشعبية الديمقراطية خلال حقبة الحرب الباردة.