صرخات تحت القصف.. الإبادة الجماعية لم ترحم ذوي الهمم في قطاع غزة
يشعرون بالقنابل ولا يسمعونها ولا يدركون ما الذي يحدث حولهم، مشردون بدون معداتهم المخصصة لهم، يتعرضون للنهش من كلاب الجيش الاسرائيلي، هكذا يقتلو ويعذبون «ذوي الهمم» سواء الإعاقة الجسدية والإدراكية في قطاع غزة من قِبل الاحتلال الصهيوني.
وفي هذا الصدد يرصد موقع «مصر تايمز» بعض الحالات التي عانت من انتهاكات قوات الاحتلال خلال عام كامل على الحرب في قطاع غزة، حيث بدأت قذائف المدفعية تنهمر فجأة من كل الاتجاهات على بني سهيلة، شرقي خان يونس، وهرع أفراد عائلة النجار إلى خارج منزلهم في حالة من الذعر، في محاولة يائسة للفرار من القصف العشوائي، ولكن بمجرد فرارهم من خط النار المباشر، أدركوا أن هناك شخصًا مفقودًا، من أصحاب الهمم.
الشاب المفقود من عائلة النجار؛ كان «إياد»، البلاغ من العمر 37 عامًا، والذي يعاني منذ فترة طويلة من ضعف الإدراك وضعف الحركة.
ويتذكر شقيقه محمد أنه عندما فرت الأسرة من منزلها، "كان كل منا يعتقد أن شخصًا آخر أخذ إياد معه، وكان الوضع مروعًا: في البداية كان هناك قصف عشوائي، ثم بدأت الدبابات في غزو المنطقة". طوال هذا الوقت، ظل إياد محاصرًا داخل المنزل.
ولم يتمكن أفراد أسرة «إياد» من العودة إلى منزلهم المحاصر، فانتظروا في مكان قريب لمدة ساعة تقريبًا لمعرفة ما إذا كان قد تمكن بطريقة ما من اللحاق بهم، على الرغم من أنهم كانوا شبه عاجزين عن الحركة.
وقال محمد "ما زلنا نأمل في ظهوره، لكن القصف اقترب، واضطررنا إلى الانتقال إلى مكان أكثر أمانًا".
وبعد أن أمضت العائلة أسبوعاً في خيمة بالقرب من مستشفى ناصر، تمكنت أخيراً من العودة إلى منزلها عندما انسحبت القوات الإسرائيلية من المنطقة، ولكن عندما وصلوا، وجدوا جثة إياد متحللة في الحديقة، مليئة بجروح ناجمة عن طلقات نارية.
لقد صُدم محمد عندما وجده هناك، نظرًا لصعوبة مغادرة إياد لغرفة المعيشة، حيث رأته الأسرة آخر مرة، وقال محمد: "كنا مقتنعين بأنه تم جره إلى الحديقة وإعدامه هناك".
وأضاف: "من يرى أخي إياد يدرك أنه يعاني من إعاقة، ولم يكن يشكل أي تهديد لأحد، ومع ذلك تم إعدامه داخل منزله، وكان بإمكان الجنود تركه حياً، ولم يكن ليفعل بهم أي شيء"، لكن رفض جيش الاحتلال الرد على استفسارات موقع إسرائيلي حول ظروف مقتل إياد.
"لم نتمكن من إنقاذه - من الجنود أو الكلب"
وعندما أعادت إسرائيل غزو الشجاعية في 27 يونيو الماضي، أصرت العائلة على البقاء في منزلها على الرغم من القصف المكثف.
وتقول نبيلة بحر، والدة محمد: "كنا منهكين من التنقل أكثر من 15 مرة، في كل مرة، كنا نكافح لإقناع محمد بالمغادرة: كان يبكي كثيرًا، ويظل يسأل عن كرسيه المتحرك والمنزل، لذلك، قررت عدم المغادرة خلال الغزو الأخير، على أمل أن يرحمنا الجيش إذا علم بحالته"، ومع اشتداد القصف حول منزل عائلة بهار، اضطروا إلى الاختباء في أجزاء مختلفة من المنزل.
وأوضحت نبيلة: “كنا غالبًا ما نلجأ إلى المراحيض، لأنها كانت المكان الأكثر أمانًا عندما كان إطلاق النار مكثفًا. لم يترك محمد كرسيه المتحرك، حتى أثناء اختبائنا”، ولكن محمد رفض أن يترك كرسيه المتحرك. وتقول نبيلة: "لم يفهم أوامر الجنود. كان مرعوباً وظل يردد: أنا خائف، مراراً وتكراراً". وفجأة أطلق الجنود أحد الكلاب على محمد، وتوسل إلى الكلب قائلاً: "كفى يا عزيزي"، بينما كان يطبق فكه عليه.
ولكن نبيلة تقول: "لم يُبد الكلب أي رحمة وترك جروحاً بالغة في ذراع محمد وكتفه"، ولم يسمح الجنود لأحد بمساعدة محمد، بل أجبروه على البقاء في غرفة منفصلة. وبحسب نبيلة، فقد وعدوه بأنه سيكون في مأمن، وبأنه سيحضر طبيباً لعلاج جروحه. ثم أمروا بقية أفراد العائلة بالمغادرة تحت تهديد السلاح، تاركين محمد خلفهم مع الجنود.
ومر أسبوع - بدا الأمر كما لو كان سبع سنوات بالنسبة لنبيلة، التي لم تستطع النوم أو الأكل، تقول: "كنت مسؤولة تمامًا عن محمد: لم يكن يعرف كيف يأكل أو يشرب أو يغير ملابسه. طوال الأسبوع، بكيت وتساءلت عما حدث لابني. كان أشقاؤه يخرجون كل يوم إلى أبعد نقطة يمكنهم الوصول إليها قبل المنطقة المحاصرة، على أمل أن يتمكنوا من العودة إلى منزلنا".
وفي نهاية المطاف، عندما علمت الأسرة بانسحاب الجيش، سارعت إلى العودة إلى المنزل، وقالت نبيلة: "وجد ابني الأكبر جبريل جثة محمد على الأرض في نفس الغرفة التي جره إليها الجنود، محاطة بالدماء، لقد استخدموا قطعة قماش لتضميد جروحه الشديدة، لكنهم لم يحاولوا علاج اللدغات بشكل صحيح، لقد تركوه ينزف حتى الموت وحده في المنزل".
وبخصوص الحادثة، لم ينكر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي هذه الرواية للأحداث، لكنه ادعى أن "الكلب اكتشف وجود إرهابيين داخل أحد المباني وعض أحد الأفراد".
وبعد ذلك، وفقًا لبيان المتحدث، تعرض الجنود الموجودون في الموقع، الذين قدموا "العلاج الطبي الأولي" لمحمد، لإطلاق نار من حماس وتركوا المنزل من أجل الحصول على علاج للجنود الجرحى. وقال البيان: "في هذه المرحلة، من المرجح أن الفرد بقي بمفرده في المبنى".
إعاقتها منعتها من الخروج من تحت الانقاض
ولدت نور إرشي جودة بتشوه في الساق نتيجة استنشاق والدتها للغاز المسيل للدموع الذي أطلقه جيش الاحتلال الإسرائيلي أثناء حملها خلال الانتفاضة الثانية، مما جعل نور مقيدة بكرسي متحرك. وعلى الرغم من هذا التشويه، شقت نور طريقها لنفسها، ومن خلال مقاطع الفيديو التي تنشرها على فيسبوك وتيك توك ، سعت إلى إزالة وصمة العار المرتبطة بالإعاقة عن مئات الآلاف من متابعيها.
"نحن لا نسمع القصف، نشعر به فقط"
شادي بركات (28 عاماً) من سكان مدينة غزة، وهو نازح إلى منطقة المواصي ، يعاني من إعاقة سمعية، يقول مستخدماً لغة الإشارة: "في اللحظات الحرجة، نجد أنفسنا محاصرين، غير قادرين على فهم ما يحدث في المنطقة، مما يضعنا تحت ضغط نفسي".
ويكمل: "نحن نراقب ما يحدث باستمرار، لكننا لا نسمع مصدر القصف، بل نشعر به فقط"، تابع، "لذلك نتبع من حولنا، ونهرب عندما يفرون، مما يخلق حالة من الفوضى يصعب فهمها، وهذا يزيد من معاناتنا ويعمق شعورنا بالعزلة والخوف".