حزب الله على مفترق طرق.. ماذا بعد اغتيال حسن نصر الله؟
شكلت شخصية حسن نصر الله رمزا قياديا بارزا لجماعة حزب الله اللبنانية، ما جعل البعض ينظر إلى أن رحيله سيترك فراغا كبيرا في الحزب، لتثار بذلك تساؤلات جوهرية حول مستقبل الحزب، ودوره في لبنان والمنطقة، وكيفية تعامله مع التحديات المقبلة.
وفي تحليل نشره موقع المعهد الملكي للشؤون الدولية البريطاني (تشاتام هاوس) يقول بلال صعب، الزميل المشارك في برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المعهد، إنه بغض النظر عن مدى قوة صفوف حزب الله، فإن مقتل قائده الأعلى حسن نصرالله في غارة جوية إسرائيلية على الضواحي الجنوبية لبيروت يعد ضربة قاسية للمنظمة، وبلا شك أسوأ ضربة في تاريخها.
وقد مر حزب الله بلحظات من الخطر منذ تأسيسه في عام 1982. وخاض حربا ضد إسرائيل، واحدة من أقوى جيوش العالم، لأكثر من 18 عاما لتحرير جنوب لبنان، وهو ما تحقق أخيرا في عام 2000.
في عام 2005، فقد حزب الله رعاية سوريا المباشرة بعد أن اضطرت الأخيرة لسحب قواتها من لبنان في أعقاب الانتفاضة الشعبية اللبنانية وضغوط دولية بقيادة الولايات المتحدة. وكان على الحزب التكيف داخليا، وبدلا من السعي إلى تحقيق الوحدة اللبنانية، اختار استبدال الحكم السوري للبنان ليحل محله حكمه الخاص، وهو أمر ليس سهلا أو حكيما نظرا للتكوين الطائفي في لبنان ونظام التوازنات الذي يحبط محاولات أي جماعة للهيمنة على السياسة في بيروت.
ثم في عام 2006، اندلع صراع حزب الله مع إسرائيل لمدة 34 يوما. وكان هذا صراعا من الصعب جدا التعافي منه نظرا للخسائر الهائلة والدمار الذي خلفه في لبنان، وخاصة في قاعدة الدعم الشيعية للحزب.
وبعد ست سنوات، اضطر حزب الله للتدخل في صراع سوريا لإنقاذ حليفه الرئيس السوري بشار الأسد، مما أدى إلى خسارة عدد كبير من رجاله وفقدان شعبيته بين العرب.
وطوال مواجهته مع الدولة اليهودية، تم القضاء على شخصيات بارزة، بما في ذلك عباس الموسوي وعماد مغنية ومصطفى بدر الدين وفؤاد شكر على يد الجيش الإسرائيلي.
ومع ذلك، فإن الشيء الوحيد الذي سمح لحزب الله بتجاوز هذه العواصف والحفاظ على تماسكه الداخلي هو نصر الله نفسه. وليس من المبالغة القول إنه كان العقل والعمود الفقري والقلب النابض لحزب الله. ومن دونه، من الصعب جدا أن نرى كيف سيفكر حزب الله ويتحرك، ويُلهم كما كان يفعل قبل أن يستهدف طيران إسرائيلي مقره في الضاحية.
وامتدت تأثيرات نصر الله وشعبيته إلى ما هو أبعد من حدود لبنان. وكان اسمه يُردد بين الشيعة من أفغانستان إلى اليمن. كان نفوذه داخل النظام الإيراني كبيرا لدرجة أنه فاق حتى مستشاري آية الله علي خامنئي المقربين. وحتى أعداؤه الأشداء في إسرائيل والغرب كانوا يحترمونه لقدراته الخطابية، ومهاراته التنظيمية، وذكائه الاستراتيجي. وسواء أحببته أو كرهته، فإن نصر الله بلا شك كان يتمتع بكاريزما فريدة في العالم العربي.
ولفترة طويلة، كان نصرالله، ربما أكثر من أي قائد عربي آخر، يعرف كيف يقرأ إسرائيل وحكومتها وجيشها ومجتمعها. وكان يعرف، أو على الأقل كان يعتقد أنه يعرف، نقاط ضعفها وحدودها، التي كان يسعى لاستغلالها من أجل البقاء وحتى الازدهار.
لكنّه فشل في رؤية أن إسرائيل اليوم تختلف كثيرا عن أي وقت مضى. فشل في رؤية أن هذه الحكومة الإسرائيلية هي حكومة لا مثيل لها، فهي الأكثر تطرفا وعدوانية في تاريخ الدولة اليهودية. وفشل في فهم أنه بغض النظر عن من كان في السلطة في إسرائيل، فإن أي قائد لن يقبل بتقليص سكان معظم شمال إسرائيل بسبب هجمات الجماعة الصاروخية.
ويقول صعب إن قرار نصرالله بدعم حماس في غزة وفتح جبهة ضد إسرائيل في 8 أكتوبر كان مؤامرة، وقد فشل فشلا ذريعا. ولم يدعم حماس بأي شكل ذي معنى، حيث تم تدمير حماس عسكريا حاليا، لكنه جلب الخراب لحزب الله وكالعادة، للبنان ككل. والقول بأن نصرالله أخطأ في حساباته سيكون تبسيطا فظا، وكان خطؤه قاتلا.
وسواء في الأعمال أو الحكومة أو الجيش، من الصعب للغاية إدارة منظمة تضم مئات الآلاف من الأشخاص، ناهيك عن منظمة تكون دائما في حالة حرب أو تبحث عن المعركة التالية. لكن نصرالله لم يجعل الأمور أسهل باختياره الانقسام اللبناني على الوحدة وبإيجاد أعداء أكثر من الأصدقاء.
ويرى صعب أن خطاب نصرالله الانقسامي وغير المتسامح وتكتيكاته ورؤيته جعلت من السهل على إسرائيل تجنيد جواسيس لبنانيين، وربما حتى داخل الجماعة. وحتى في أسوأ كوابيس نصرالله، لم يكن ليتخيل أن منظمته ستتعرض للاختراق بهذا العمق من قبل أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية. لكن هذا هو بالضبط ما حدث.
ويقول صعب إن ما سيحدث في اليوم التالي لحزب الله يظل غير مؤكد بشكل كبير. وهناك عملية تقنية، ولكن هناك أيضا عملية سياسية-استراتيجية. الأولى أدت إلى اختيار هاشم صفي الدين لخلافة نصرالله. على الرغم من أن صفي الدين، رئيس المجلس التنفيذي لحزب الله، سيجد من المستحيل عمليا ملء مكان نصرالله، إلا أنه الخيار الأفضل بين كبار المسؤولين المتبقين في الجماعة.
ولن ينهار الحزب على الفور حيث لا يزال لديه مئات الآلاف من المقاتلين والصواريخ، لكن من أجل البقاء، سيكون مضطرا للتكيف. وقد يتحول إلى كيان سياسي ويسلم أسلحته إلى الجيش اللبناني، وبالتالي يكسب دعم جميع اللبنانيين. أو قد يظل على المسار ذاته ويخاطر بتدمير نفسه أكثر.
ويخلص صعب إلى أن ما سيقرره حزب الله سيكون له تداعيات طويلة المدى ليس فقط على مستقبله، بل أيضا على مستقبل لبنان والمنطقة بأسرها