الخميس 19 سبتمبر 2024 الموافق 16 ربيع الأول 1446
رئيس التحرير
حازم عادل
عربى ودولى

جهود الصين لمكافحة تلوث الهواء... هل تتسبب في أزمة مناخ عالمية

الإثنين 29/يوليو/2024 - 01:55 م
صورة ارشيفية
صورة ارشيفية

في عام 2013، ضربت موجة حرارة شديدة اطلق عليها اسم "الفقاعة" شمال شرق المحيط الهادئ، حيث تسببت في نفوق الملايين من الكائنات البحرية واضطراب النظام البيئي البحري، لدرجة أنه لم يرجع إلى سابق عهده حتى الآن، وربما لا يعود إلى طبيعته مرة أخرى على الاطلاق. وفي حين أن هذه الفقاعة انتهت رسميا عام 2016، فقد هبت عواصف ساخنة مماثلة عديدة على مناطق أخرى في العالم منذ ذلك الحين.

 

ورغم أن كثيرا من علماء البيئة عكفوا منذ ذلك الحين على محاولة سبر أغوار هذه الظاهرة المناخية غير المسبوقة وفك شفرتها بغرض التعرف على أسبابها من أجل تلافيها في المستقبل، توصلت دراسة حديثة إلى أن الفقاعة تعكس في حقيقة الأمر مدى الترابط بين عناصر النظام المناخي على الارض، وأن هذه الظاهرة تظل قابلة للتكرار مرة أخرى بفعل سلوكيات بشرية قد تتسبب في حدوثها مجددا سواء بقصد أو بغير قصد.

 

ويقول الباحث هاي وانج الباحث في مجال الغلاف الجوي بجامعة علوم المحيطات في الصين أن التقدم الذي حققته الصين في مجال حماية البيئة من خلال تنقية الهواء من الملوثات باختلاف أنواعها قد أسهم بشكل غير مقصود في ارتفاع حرارة السطح على سواحل المحيط الهادئ في الولايات المتحدة من ألاسكا وحتى كاليفورنيا.

 

ومنذ مطلع العقد الماضي، اتجهت الصين لمواجهة مشكلة تلوث الهواء بنشاط محموم، حيث كان الصينيون قبل عشرين عاما يواجهون تدنى جودة الهواء بشكل فادح، وكان تركيز الجزيئات الدقيقة التي يقل سمكها عن 5ر2 ميكرون يزيد بمعدل خمسة إلى عشرة أمثال المعدلات المسموح بها دوليا، بحسب معايير منظمة الصحة العالمية. وعادة ما تتسبب هذه الجزيئات الدقيقة التي تنجم عن احتراق الوقود الحفري في آلام الحلق والرئة ونوبات الربو وضيق التنفس، وقد تؤدي في بعض الأحيان إلى مشكلات بالأوعية وأمراض القلب بل وسرطان الرئة، وذلك بحسب موقع هاكاي المتخصص في أبحاث البيئة البحرية.

 

وخلال الفترة ما بين 2010 و2017، ولاسيما في عام 2013، طبقت الصين استراتيجيتها الجديدة لتنقية الهواء، ونجحت في الحد من معدلات الجزيئات الدقيقة في الهواء بنسبة 35%، ولكن المفارقة أن تراجع مشكلة الضباب الدخاني ترتب عليها سلسلة من التغيرات المناخية سواء داخل البلاد أو خارجها. ويوضح الباحثون أن تلوث الهواء يزيد من تكاثف سحب الملوثات التي تحجب سخونة الشمس، وهو ما يؤدي بدوره إلى تقليل درجة حرارة الأرض، وقد يخفي بعض أضرار الاحترار العالمي الناجم عن انبعاثات الوقود والغاز الطبيعي والفحم. ويقول وانج إن التخلص من الملوثات قد يأتي في حقيقة الأمر بنتيجة عكسية، حيث أن تراجع تركيز الملوثات الهوائية فوق شرق أسيا ترتب عليه سلسلة من التغيرات المناخية التي انعكست سلبا في صورة موجة حرارة في شمال شرق المحيط الهادئ.

 

ويفسر الباحثون طريقة حدوث موجات الحرارة الفائقة مثل الفقاعة بأنه عندما تسكن حركة الرياح فوق سطح المحيط لأي سبب من الأسباب مثل ركود منظومة الضغط الجوي في المنطقة على سبيل المثال، يفقد المحيط قدرته على تفريغ الحرارة في الغلاف الجوي، مما يتسبب بدوره في ارتفاع حرارة المياه على سطح المحيط. كما أن تراجع سرعة الرياح تقلل من فرص اختلاط الهواء البارد والساخن فوق صفحة المياه، وهو ما يؤدي بدوره إلى تصاعد الماء البارد من قاع المحيط إلى السطح. ويشير العلماء أيضا إلى أن ارتفاع حرارة سطح المحيط يقلل من غطاء السحب، ويسمح بنفاذ المزيد من اشعة الشمس وبالتالي ترتفع درجة حرارة مياه المحيط بقدرأكبر.

 

وأظهرت الدراسة التي أجراها وانج وأوردها موقع هاكاي أن انخفاض معدلات تلوث الهواء في الصين أدى إلى ارتفاع درجات الحرارة في شرق أسيا، واستتبع ذلك زيادة مناطق الضغط الجوي المرتفع في أسيا ومناطق الضغط المنخفض في بحر بيرينج شمال المحيط الهادئ. وترتب على هذا تباطؤ حركة الرياح في شمال شرق المحيط الهادئ وانطلاق موجة من الاحترار العالمي على الارض.

ويرى وانج إن "هذه الظاهرة تشبه إلقاء حجر في بركة من الماء مما يتسبب في إطلاق سلسلة من الموجات، فاختلال الحرارة في منطقة ما ينعكس في سائر أنحاء الغلاف الجوي". ولم يصل وانج في أبحاثه إلى حد أن يقطع بشكل يقيني أن سياسات تنقية الهواء في الصين كانت السبب في حدوث ظاهرة الفقاعة بشكل مباشر. ويقول كريس سميث خبير المناخ بجامعة ليدز البريطانية إن الدراسة التي قام بها وانج تكشف ببراعة أن أنماط التغيرات المناخية التي أحدثت الفقاعة تتضمن جهود الحد من التلوث في الصين، ولكنه يرى أن هذه الظاهرة هي نتاج" سلسلة متعددة من العوامل التي تتحرك كلها في نفس الاتجاه" ولاسيما فيما يتعلق بالانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري.

 

وقد أكدت دراسة علمية حديثة أن قرابة ثمانية ملايين شخص يقضون نحبهم كل عام بسبب تلوث الهواء، وأن الهباء الجوي هو ثاني أسباب وفاة الأطفال دون سن الخامسة في العالم بعد مشكلة سوء التغذية. ومن هذا المنطلق، يقول وانج إنه في حين أن أبحاثه تسلط الضوء على تأثيرات الهباء الجوي على المناخ، سواء محليا أو في أماكن أخرى بعيدة على كوكب الأرض، فإنها تظل مشكلة صحية خطيرة، ولا يجب النظر إليها في سياق أنها تستخدم للتلاعب بالمناخ العالمي.